ومنه يعلم تقدّم قاعدة الاشتغال على استصحاب الاشتغال ، فإذا شكّ قُبيلَ الغروب أنّه صلّى الظهر أو لا ، فصِرْفُ الشكّ كاف في حكم العقل بالاشتغال ، لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، ولاحاجة إلى استصحاب الاشتغال.
وثالثاً : أنّ قوله : « طاهر » إذا كان من متمّمات القاعدة يكون معناه محكوماً بالطهارة ، وإذا كان راجعاً إلى الاستصحاب يكون معناه انّه مستمرّ في طهارته ، وإطلاق اللفظ وإرادة المعنيين منه يحتاج إلى قرينة ، وهي مفقودة في المقام.
اللّهمّ إلاّ أن يقدّر هناك كلام بأن يقال :
كلّ شيء طاهر ( وهذه الطهارة مستمرة ) حتى تعلم أنّه قذر. وهو كما ترى.
ورابعاً : أنّ الحديث لو كان بصدد بيان قاعدتي الطهارة والحلية تكون الغاية قيداً للموضوع ، ويكون معناه ، كلّ شيء ( حتى تعلم أنّه قذر ) طاهر.
ولو كان بصدد بيان الاستصحاب يكون قيداً للمحمول ( أي طاهر حتى تعلم أنّه قذر ) وكيف يمكن أن تكون كلمة واحدة قيداً للموضوع ، وقيداً للمحمول فانّ مقتضى الأوّل تقدّم الغاية على الحكم ( طاهر ) ومقتضى الثاني ( تأخّرها عنه ).
وبعبارة أُخرى : انّ الحكم باستمرار الطهارة أو الحلية المستفادتين من القاعدتين يتوقف على تماميتهما من حيث المغيّى والغاية ، فلو جعلت الغاية متمّمة للقاعدة لما صحّ جعلها غاية للاستصحاب ، ولو جعلت غاية للاستصحاب تكون القاعدة بلا غاية ، وبالتالي يكون الاستصحاب أيضاً بلا موضوع.