لأنّهما يتكاذبان بالنسبة إلى موضع الالتقاء من جهة الدلالة الالتزامية في مقام الجعل والإنشاء.
وإن كان العنوان مأخوذاً على النحو الثاني ، فهو مورد التزاحم أو مسألة اجتماع الأمر والنهي ، وبما انّ الأمر بالصلاة لم يكن ظاهراً في طلبها حتى في مورد الغصب ، وهكذا النهي عن الغصب حيث لم يكن ظاهراً في النهي عنه حتى في مورد الصلاة. فلامعارضة بين الدليلين في مقام الجعل والإنشاء ، بل المنافاة لأجل عدم قدرة المكلّف بين الامتثالين ، فيدور الأمر بين امتثال الأمر وامتثال النهي ، إذ لايمكنه امتثالهما معاً من جهة عدم المندوحة. (١)
يلاحظ عليه : أنّ تفسير المتعارضين في العامين من وجه بالعام الاستغراقي ، وتفسير المتزاحمين بالعام البدلي غير تام لا في جانب الأوّل ولا في ناحية الثاني.
أمّا المتعارضان منهما فربما يكون المأمور به والمنهي عنه في كلا الدليلين صرف الطبيعة من دون دلالة على الكثرات والمميزات حتى يعمّ كلّ فرد فرد حتى المقارن ، بالعنوان الآخر ، كما في قولك : « أكرم العالم ، ولاتكرم الفاسق » فانّهما بمنزلة قولنا : صلِّ ، ولاتغصب ، وإنّما يصحّ ما ذكره إذا كان الدليل مقروناً بما يدل على الكثرات ، كالجمع المحلّى باللاّم ، مثل العلماءُ الفسّاق ، دون المفرد المحلّى بها ، الدال على الطبيعة.
وأمّا المتزاحمان ، فقولنا : « صل » وإن كان بحكم العام البدلي ، فانّ المطلوب فرد من أفراد الصلاة ، إلاّ أنّ قولنا : « لاتغصب » ليس كذلك ، إذ المطلوب ترك جميع أفرادها وقد ارتكز في أذهان العرف انّ نفي الطبيعة إنّما هو بنفي جميع
__________________
١. أُصول الفقه : ١ / ٢٨٥ ـ ٢٩٠.