« أحدهما يأمر والآخر ينهى » والأمر في العامّين من وجه ليس كذلك ، إذ لايدور الأمر بين الأخذ بواحد منهما وترك الآخر أو بالعكس ، بل يؤخذ بكلّ في موردي الافتراق ، وإنّما الاختلاف في مورد الاجتماع ، فالعُقاب بما انّه حيوان غير مأكول يحكم عليه بالنجاسة. وبما انّه طائر يحكم عليه بالطهارة.
ومنه يعلم حكم أخبار العرض على الكتاب والسنّة وفتاوى العامّة ، فانّ الظاهر هو الأخذ بتمام ما وافق كتاب اللّه وترك تمام ما خالفه ، ومثله ما وافق العامّة أو خالفها ، فإنّ المتبادر هو أخذ تمام ما خالف العامة وترك كلّ ما وافقهم ، والأمر في العموم من وجه ليس كذلك ، لأنّه يؤخذ بكلا الدليلين ، ولايترك الآخر بتاتاً.
ثمّ إنّ الشيخ ذهب إلى القول الثاني قائلاً : إنّ التعارض يصدق عرفاً وانّ العامين من وجه داخل في الأخبار العلاجية ، إذ تخصيصهما بخصوص المتعارضين اللّذَين لايمكن الجمع بينهما إلاّ بإخراج كليهما عن ظاهريهما خلاف الظاهر. (١)
يلاحظ عليه : أنّ الظاهر خلاف ما ادّعاه ، لما عرفت من أنّ قوله : « أحدهما يأمر والآخر ينهى » ظاهر في دوران الأمر بين الأخذ بأحدهما تماماً وترك الآخر كذلك ، وهذا الشرط مفقود في العامّين من وجه ، ومثله قوله : خذ ما وافق الكتاب أو خذ ما خالف العامة ، فانّه ظاهر في الأخذ بتمام الخبر الموافق للكتاب أو الخبر المخالف للعامة وترك الآخر من رأس لا تركه في مورد الاجتماع والعمل به في مورد الافتراق.
نعم يمكن تقريب ما أفاده الشيخ من وجه آخر وهو التمسّك بالملاك بأن يقال انّ الأخبار العلاجية بصدد إعطاء الضابطة ، فلو لم تكن شاملة للعامين من وجه بلفظها ، فإنّها شاملة لهما بمناطها إذ أيّ فرق بين المخالفة بتمام المضمون أو
__________________
١. فرائد الأُصول : ٤٥٣.