وطهارة الضمير (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) لا نكر فيه ولا فحش ، ولا مخالفة لحدود ما أنزل الله ، والّتي بيّنها في هذا الموقف الدقيق.
(وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ) ما فرض عليهنّ من العدّة (أَجَلَهُ) أي تنقضي العدّة.
قوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) ـ ولم يقل : «ولا تعقدوا النكاح» ـ زيادة في التحرّج. فالعزيمة الّتي تنشئ العقدة هي المنهيّ عنها ، نظير : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) مبالغة في التحرّز عنها. الأمر الّذي يوحي بمعنى في غاية اللّطف والدقّة.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ). وهنا يربط بين التشريع والوازع النفسي الباعث على الخشية من الله المطّلع على السرائر ، فللهواجس المستكنّة وللمشاعر المكنونه هنا ـ وفي غيرها من مزالّ ـ الأقدام ـ قيمتها في العلاقات بين رجل وامرأة ، بل بين آحاد الناس على سواء.
ومع ذلك (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) غفور يغفر خطيئة القلب الشاعر بالله ، الحذر من عقوبته. حليم لا يعجل بالعقوبة ، فلعلّ عبده الخاطىء آب ورجع عمّا فرّط في جنب الله.
***
ثمّ يجيء حكم المطلّقة قبل الدخول : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) فالواجب على الزوج في هذه الحالة أن يمتّعها أي يمنحها عطيّة حسبما يستطيع :
(وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ) ـ أي المعوز ـ قدره ، (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) ممّن يحاول الإحسان في حياته.
نعم ولهذا العمل قيمته النفسيّة بجانب كونه نوعا من التعويض ؛ إنّ انفصام هذه العقدة من قبل ابتدائها قد ينشئ جفوة ممضّة في نفس المرأة ، ويجعل الفراق طعنة عداء وخصومة. ولكنّ التمتيع يذهب بهذا الجوّ المكفهرّ ، وينسم فيه نسمات من الودّ والمعذرة ، ولهذا يوصي أن يكون المتاع بالمعروف ، استبقاء للمودّة الإنسانيّة ، وافتراقا بسلام.
أمّا إذا كان الطلاق قبل المساس ، بعد أن فرضتم لهنّ فريضة ، فنصف ما فرضتم. هذا هو القانون. ولكنّ القرآن يدع الأمر بعد ذلك للسماحة والفضل واليسر ، فللزوجة أو وليّها إن كانت صغيرة أن تعفو وتترك ما يفرضه القانون ، والتنازل في هذه الحالة هو تنازل الإنسان الراضي القادر العفوّ السمح ، فيا للقرآن يظلّ يلا حق هذه القلوب كي تصفو وترفّ وتخلو من كلّ شائبة : (وَأَنْ تَعْفُوا