حياة شريفة ، وحياة عائليّة مطمئنّة (١).
جعل عدّتها أربعة أشهر وعشرا ـ ما لم تكن حاملا فعدّتها أن تضع حملها ـ ولا تجرح أهل الزوج في عواطفهم بخروجها لتوّها. وفي أثناء هذه العدّة تلبس ثيابا محتشمة ولا تتزيّن للخطّاب. فأمّا بعد هذه العدّة فلا سبيل لأحد عليها ، سواء من أهلها أو من أهل الزوج ، ولها مطلق حرّيّتها فيما تتّخذه لنفسها من سلوك شريف في حدود «المعروف». فلها أن تأخذ زينتها المباحة ، ولها أن تتلقّى خطبة الخطّاب ، وتتزوّج ممّن ترتضي ، لا تقف في سبيلها عادة بالية ولا كبرياء زائفة. وليس عليها من رقيب إلّا الله (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
هذا شأن المرأة ؛ ثمّ يلتفت السياق إلى الرجال الراغبين فيها في فترة العدّة ، فيوجّههم توجيها قائما على أدب النفس وأدب الاجتماع ، ورعاية المشاعر والعواطف ، مع رعاية الحاجات والمصالح : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ).
نعم كانت المرأة لا تزال معلّقة القلب بذكرى لم تمت ، وبمشاعر أسرة الميّت ، ومرتبطة كذلك بما قد يكون في رحمها حمل لم يتبيّن ، أو حمل تبيّن والعدّة معلّقة بوضعه ، وكلّ هذه الاعتبارات تمنع الحديث عن حياة زوجيّة جديدة ، حيث لم يحن موعده ولأنّه يحرج مشاعر ويخدش ذكريات.
إذن فمع رعاية هذه الاعتبارات فقد أبيح التعريض ـ لا التصريح ـ بخطبتهنّ ؛ أبيحت الإشارة البعيدة الّتي تلمح منها المرأة أنّ هذا الرجل يريدها زوجة بعد انقضاء عدّتها.
[٢ / ٦٨٤٤] وقد روي عن ابن عبّاس : أنّ التعريض مثل أن يقول : إنّي أريد التزويج. وإنّ النساء لمن حاجتي. ولوددت أنّه تيسّرلي امرأة صالحة (٢).
كذلك أبيحت الرغبة المكنونه (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) الّتي لا يصرّح بها لا تصريحا ولا تلميحا ؛ لأنّ الله يعلم أنّ هذه الرغبة لا سلطان لإرادة البشر عليها (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ).
وقد أباحها الله ، لأنّها تتعلّق بميل فطري ، حلال في أصله ، مباح في ذاته ، والملابسات وحدها هي الّتي تدعو إلى تأجيل اتّخاذ الخطوة العمليّة فيه ، والإسلام يلحظ أن لا يحطّم الميول الفطرية إنّما يهذّبها ، ولا يكبت النوازع البشريّة إنّما يضبطها. ومن ثمّ نهى فقط عمّا يخالف نظافة الشعور
__________________
(١) راجع : في ظلال القرآن ١ : ٣٧٣.
(٢) البخاري ٦ : ١٣١.