أضعافا مضاعفة ، فكانت الحسنة هيّنة الكسب. أمّا السيّئة فحيث كانت تجازى بمثلها ، فقد كبر شأوها وثقل العمل بها ولذلك زيد في لفظ فعل السيّئة دون لفظ فعل الحسنة (١).
***
قلت : لا شكّ أنّ لفظ «اكتسب» يدلّ على زيادة جهد في العمل ، وفقا لقانون «زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني» ومن ثمّ فإنّ لفظ المزيد يكون أخصّ دلالة من لفظ المجرّد ، هذا لا شكّ فيه.
وعليه فلفظ «كسب» أعمّ شمولا من لفظ «اكتسب» كما في «كشف» و «اكتشف».
فالصحيح ما قاله سيبويه : «كسب : أصاب. واكتسب : تصرّف واجتهد» (٢).
أي يقال : كسب ، حيث أريد إصابة الشيء والحصول عليه ، من غير نظر إلى أنّ إصابته له كان عن جهد بذله في سبيله ، أم حصّله بيسر وسهولة ومن غير عناء ، فهو أعمّ موردا في الاستعمال.
ولا يقال : اكتسب ، إلّا حيث أريد إصابة الشيء ببذل جهد وتحمّل عناء ، سواء كان الشيء الّذي يحاول إصابته خيرا أم شرّا ، فإنّ بعض الخير ممّا يتحمّل الصعوبات في سبيل الحصول عليه. كما أنّ بعض الشرّ ممّا يسهل الوصول إليه ، فجاز استعمال كلّ من الكسب والاكتساب ، في كلّ من الموردين ، ولكن كلّا بلحاظ دون لحاظ الآخر.
***
والآية ـ بلا شكّ ـ استعملت الكسب في الخير ، بدليل اللّام. والاكتساب في الشرّ ، بقرينة «على».
إنّما الكلام في حكمة فارق الاستعمال هنا بالذات ، كيف لوحظ الخير سهل الحصول نوعيّا ، والشرّ صعب الوصول أكثريّا؟
فزعم أبو الفتح عثمان بن جنّي (ت : ٣٩٢) أنّ الحسنة إنّما كانت هيّنة الكسب ، بالقياس إلى
__________________
(١) لسان العرب ١ : ٧١٦.
(٢) لسان العرب ١ : ٧١٦.