اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا)(١). (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها)(٢).
قال : وقوله : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ)(٣) ، فمتناول لهما.
قال : والاكتساب قد ورد فيهما ، قال في الصالحات : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)(٤).
قلت : وما ورد في الإثم ، قوله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ)(٥).
قال : وقوله : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) ، فقد قيل : خصّ الكسب ها هنا بالصالح ، والاكتساب بالسيّء.
وقيل : عني بالكسب ما يتحرّاه من المكاسب الأخرويّة ، وبالاكتساب ما يتحرّاه من المكاسب الدنيويّة.
وقيل عني بالكسب ما يفعله الإنسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز ، وبالاكتساب ما يحصّله لنفسه من نفع يجوز تناوله ، فنبّه سبحانه على أنّ ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصّله له ، فله الثواب ، وأنّ ما يحصّله لنفسه ـ وإن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه ـ فقلّما ينفكّ من أن يكون عليه ، إشارة إلى ما قيل : «من أراد الدنيا فليوطّن نفسه على المصائب» (٦). وقوله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)(٧). ونحو ذلك (٨).
وقال ابن جنّي : قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) عبّر عن الحسنة بكسبت ، وعن السيّئة باكتسبت ، لأنّ معنى «كسب» دون معنى «اكتسب» ، لما فيه من الزيادة ؛ وذلك أنّ كسب الحسنة ، بالإضافة إلى اكتساب السيّئة أمر يسير ومستصغر ، إذا ما قيست الحسنة بالجزاء عليها
__________________
(١) فاطر ٣٥ : ٤٥.
(٢) الأنعام ٦ : ١٦٤.
(٣) البقرة ٢ : ٢٨١.
(٤) النساء ٤ : ٣٢.
(٥) النور ٢٤ : ١١.
(٦) ابن عساكر ١٩ : ٢٠٩. (وفيه : من أحبّ البقاء فليوطّن نفسه على المصائب).
(٧) التغابن ٦٤ : ١٥.
(٨) المفردات : ٤٣٠ ـ ٤٣١.