تدوم إلّا في لحظات معدودة ، والأعمال تدوم ، والعموم يقتضي أن تكون نيّته خير من عمله.
وقد يقال : إنّ معناه أنّ النيّة بمجرّدها خير من العمل بمجرّده دون النيّة. وهو كذلك ، ولكنّه بعيد أن يكون هو المراد ، إذ العمل بلا نيّة أو على الغفلة ، لا خير فيه أصلا ، والنيّة بمجرّدها خير ، وظاهر الترجيح في المشتركين أن يكونا مشتركين في أصل الخير.
قال : بل المعنى أنّ كلّ طاعة تنتظم بنيّة وعمل ، وكلّ منهما من جملة الخيرات ، إلّا أنّ النيّة من الطاعتين خير من العمل ، لأنّ أثر النيّة في المقصود ـ وهو اكتمال النفس وابتهاجها برضوان الله ـ أكثر من أثر العمل ، لأنّ صلاح القلب هو المقصود الأصل من التكليف ، والأعضاء آلات موصلة إلى ذلك المقصود ، والغرض من حركات الجوارح أن يعتاد القلب لإرادة الخير وتأكيد الميل إليه ، ليتفرّغ عن شهوات الدنيا ، ويقبل على الذكر والفكر ، فبالضرورة تكون خيرا بالإضافة إلى الغرض.
قال تعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ)(١). والتقوى صفة القلب.
[٢ / ٨٢٤٤] قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد» (٢). أراد بها القلب (٣).
وقال المحقّق الفيض الكاشاني : إنّ المؤمن إنّما ينوي أن يوقع عباداته على أحسن وجه ، لكنّه عند ما يشتغل بها قد لا يتيسّر له ذلك فيأتي بما تيسّر له. فالّذي نواه كان خيرا من الّذي عمله ، والله تعالى إنّما يجازيه حسبما نوى.
وأيضا فإنّ المؤمن ينوي ـ حسب إيمانه بالله ـ أن يأتي بالطاعات ويجتنب السيّئات أبدا. لكنّه قد لا يوفّق لذلك كما نوى ، فنيّته خير من عمله.
قال : وإلى هذا المعنى أشار الإمام أبو جعفر الباقر عليهالسلام :
[٢ / ٨٢٤٥] فيما رواه أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى الحسن بن الحسين الأنصاري عن بعض رجاله عنه عليهالسلام كان يقول : «نيّة المؤمن أفضل من عمله ، وذلك لأنّه ينوي من الخير ما لا يدركه. ونيّة الكافر شرّ من عمله ، وذلك لأنّ الكافر ينوي الشرّ ويأمل من الشرّ ما لا يدركه» (٤).
__________________
(١) الحجّ ٢٢ : ٣٧.
(٢) ابن ماجة ٢ : ١٣١٩ / ٣٩٨٤ ؛ مسلم ٥ : ٥١.
(٣) إحياء العلوم ٤ : ٣٥٥ ـ ٣٥٧ ، باختصار واختزال. وراجع : المحجّة البيضاء للفيض الكاشاني ٨ : ١٠٩ ـ ١١٣. ومصابيح الأنوار للسيّد عبد الله شبّر ٢ : ٥٧ / ٢٣.
(٤) علل الشرائع ٢ : ٥٢٤ / ٢ ، باب ٣٠١ ؛ البحار ٦٧ : ٢٠٦ / ١٩.