«وفرض على القلب ـ وهو أمير الجوارح ـ الّذي به تعقل وتفهم وتصدر عن أمره ورأيه ، فقال ـ عزوجل ـ : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)(١)».
[٢ / ٨٢٢٦] وقال عبد الله بن المبارك : قلت لسفيان : أيؤاخذ الله العبد بالهمّة؟ قال : «إذا كان عزما أخذ بها!» (٢).
[٢ / ٨٢٢٧] وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير من طريق الضحّاك عن عائشة في قوله : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) الآية. قالت : هو الرجل يهمّ بالمعصية ولا يعملها ، فيرسل الله عليه من الغمّ والحزن بقدر ما كان همّ من المعصية ، فتلك محاسبته (٣).
[٢ / ٨٢٢٨] وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنّه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أميّة ، أنّها سألت عائشة عن قول الله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) وعن قوله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ)(٤) فقالت : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : «هذه معاقبة الله العبد فيما يصيبه من الحمى والنكبة ، حتّى البضاعة يضعها في يد قميصه فيفقدها فيفزع لها ثمّ يجدها في ضبنه (٥) ، حتّى أنّ العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير» (٦).
قلت : والمراد ـ إن صحّت الرواية ـ : أنّه تعالى إذا وجد عبده المؤمن أضمر سوءا ، حتّى ولو لم يظهره في عمل ، فإنّه يؤاخذه مؤاخذة طفيفة ، ليتنبّه ويعود إلى رشده ، ويعلم أنّه مراقب بعين الله.
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٦٢٧ / ٣٢١٥ ، باب الفروض على الجوارح.
(٢) الثعلبي ٢ : ٣٠١ ؛ البغوي ١ : ٤٠٠ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٤٨.
(٣) الدرّ ٢ : ١٣١ ؛ سنن سعيد ٣ : ١٠١٤ / ٤٨١ ؛ الطبري ٣ : ٢٠١ / ٥٠٩١ ، بلفظ : «كانت عائشة تقول : من همّ بسيّئة فلم يعملها أرسل الله عليه من الهمّ والحزن مثل الّذي همّ به من السيّئة فلم يعملها ، فكانت كفّارته».
(٤) النساء ٤ : ١٢٣.
(٥) الضّبن : الحجر والجانب.
(٦) الدرّ ٢ : ١٣١ ؛ مسند الطيالسي : ٢٢١ ؛ مسند أحمد ٦ : ٢١٨ ؛ الترمذي ٤ : ٢٨٩ ؛ الطبري ٣ : ٢٠٢ / ٥٠٩٢ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧٤ / ٣٠٦٢ ؛ الشعب ٧ : ١٥٢ / ٩٨٠٩ ؛ ابن كثير ١ : ٣٤٨ ؛ البغوي ١ : ٣٩٩ / ٣٤٩ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ / ٢١١ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٤٧.