دلالة في تلك الأحاديث على ما ظننت من أنّ العزم على المعصية ليس معصية ، وإنّما دلّت على أنّ من عزم على معصية ولم يقترفها لم تكتب عليه تلك المعصية ، ولم يؤاخذ عليها ، لأنّها معفوّ عنها (١).
قال المولى المجلسيّ : النيّة تطلق على النيّة المقارنة للفعل ، وعلى العزم المتقدّم عليه ، سواء تيسّر العمل أم لا. وعلى التمنّي للفعل ، وإن علم عدم تمكّنه منه. والمراد هنا أحد المعنيين الأخيرين.
قال : ويمكن أن يقال : إنّ النيّة لمّا كانت من الأفعال الاختياريّة القلبيّة ، فلا محالة يترتّب عليها ثواب. وإذا فعل الفعل المنويّ يترتّب عليه ثواب آخر. ولا ينافي اشتراط العمل بها [بالنيّة] تعدّد الثواب [تضاعفه]. كما أنّ صحّة الصلاة مشروطة بالوضوء ، ويترتّب على كلّ منهما ثواب.
فإذا لم يتيسّر الفعل ، لعدم قدرته أو لمانع ، يثاب على العزم ، وترتّب الثواب عليه غير مشروط بحصول الفعل ، بل بعدم تقصيره فيه. فالثواب الوارد في الخبر يحتمل أن يكون هذا الثواب ، فله مع الفعل ثوابان ، وبدونه ثواب واحد. فلا يلزم كون العمل لغوا ، ولا كون ثواب النيّة والعمل معا كثوابها فقط.
ويحتمل أن يكون ثواب النيّة كثوابها مع العمل بلا مضاعفة ، ومع العمل يضاعف عشر أمثالها أو أكثر.
قال : ويتأيّد ذلك بما سيأتي في الحديث ـ فيما رواه زرارة عن أحدهما ـ :
[٢ / ٨٢١٩] قال عليهالسلام : «إنّ الله جعل لآدم في ذرّيّته ، من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة. ومن همّ بحسنة وعملها كتبت له بها عشرا» (٢).
قال : وإن أمكن حمله على ما إذا لم يعملها مع القدرة عليها (٣).
قال : وعلى ما حقّقنا أنّ النيّة تابعة للشاكلة والحالة [النفسانيّة] وأنّ كمالها لا يحصل إلّا بكمال النفس واتّصافها بالأخلاق الكريمة ، فلا استبعاد في تساوي ثواب من عزم على فعل على وجه خاصّ من الكمال ، ولم يتيسّر له ، ومن فعله على ما نوى.
__________________
(١) البحار ٦٨ : ٢٥١ ـ ٢٥٦.
(٢) الكافي ٢ : ٤٢٨ / ١.
(٣) أي لصارف آخر ، لا لعدم قدرته أو لمانع عرض وهي الصورة الثالثة للاقتصار على مجرّد النيّة دون العمل. والحديث بإطلاقه شامل لهذه الصورة أيضا.