وهكذا قال في مجمع بيانه ما يقرب من ذلك ، قال : «إنّ السمع يسأل عمّا سمع ، والبصر عمّا رأى ، والقلب عمّا عزم عليه» (١).
وقال البيضاوي وغيره من المفسّرين : «في هذه الآية دليل على أنّ العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية» (٢). وعبارة الكشّاف هي بعينها عبارة الجوامع ، قال الزمخشري : «يقال للإنسان لم سمعت ما لم يحلّ سماعه ، ولم نظرت إلى ما لم يحلّ لك النظر إليه ، ولم عزمت على ما لم يحلّ لك العزم عليه؟» (٣).
وكذا عبارة الرازي في التفسير الكبير ، قال : «يقال له : لم سمعت ما لا يحلّ لك سماعه ، ولم نظرت إلى ما لا يحلّ لك النظر إليه ، ولم عزمت على ما لا يحلّ لك العزم عليه» (٤).
وقال السيّد المرتضى علم الهدى ـ عند ذكر قوله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما)(٥) ـ : إنّما أراد تعالى أنّ الفشل خطر ببالهم. ولو كان الهمّ في هذا المكان عزما ، لما كان الله وليّهما.
ثمّ قال : «وإرادة المعصية والعزم عليها معصية. وقد تجاوز قوم حتّى قالوا : العزم على الكبيرة كبيرة ، وعلى الكفر كفر» (٦).
قال البهائي : وأيضا فقد صرّح الفقهاء بأنّ الإصرار على الصغائر ـ الّذي هو معدود من الكبائر ـ إمّا فعليّ ، وهو المداومة على الصغائر بلا توبة. وإمّا حكميّ ، وهو العزم على فعل الصغائر متى تمكّن منها.
قال : وبالجملة فتصريحات المفسّرين والفقهاء والأصوليّين بهذا المطلب ، أزيد من أن تحصى ، والخوض فيه من قبيل توضيح الواضحات. ومن تصفّح كتب الإماميّة وغيرهم لا يعتريه ريب فيما تلوناه.
قال : فإن قلت : قد ورد في أحاديث أئمّتنا عليهمالسلام : أنّ من همّ بسيّئة لم تكتب عليه! (٧) قلت : لا
__________________
(١) مجمع البيان : ٦ : ٢٥١.
(٢) أنوار التنزيل ٣ : ٢٠٢.
(٣) الكشّاف ٢ : ٦٦٧.
(٤) التفسير الكبير ٢٠ : ٢١٠.
(٥) آل عمران ٣ : ١٢٢.
(٦) تنزيه الأنبياء : ٧٤.
(٧) الكافي ٢ : ٤٢٨ / ١ ، و ٤٣٠ / ٤.