زوجته ظانّا أنّها حائض ، فبانت طاهرة. ومنها : لو هجم على طعام بيد غيره وأكله ، فبان أنّه ملك للآكل. ومنها : لو ذبح شاة بظنّها للغير بقصد العدوان ، فظهرت ملكه. ومنها : ما إذا قتل نفسا بظنّها معصومة ، فبانت مهدورة.
وقد قال بعضهم : يحكم بفسق متعاطي ذلك ، لدلالته على عدم المبالاة بالمعاصي ، ويعاقب في الآخرة ـ ما لم يتب ـ عقابا متوسّطا بين عقاب الكبيرة والصغيرة (١).
قال الشهيد : وكلاهما ـ أي العقاب في الآخرة وأنّه متوسّط بين الأمرين ـ تحكّم وتخرّص بالغيب (٢).
قلت : دلالته على عدم المبالاة بالدين ، بل وعلى خبث الباطن ، ممّا لا شكّ فيه. أمّا أنّه يعاقب وأنّه عقابه كذا ، فهذا رجم بالغيب ، فضلا عمّا ورد من العفو عنه ، وبذلك تظاهرت الروايات.
وقال الشيخ محمّد بهاء الدين ـ في تعليقته على كلام الشهيد ـ : قوله : «لا يؤثّر نيّة المعصية عقابا ولا ذمّا» ، غرضه ـ طاب ثراه ـ : أنّ نيّة المعصية وإن كانت معصية ، إلّا أنّه وردت الأخبار بالعفو عنها ، لم يترتّب عليها عقاب ولا ذمّ ، وإن ترتّب استحقاقهما. ولم يرد أنّ قصد المعصية والعزم عليها غير محرّم ، كما يتبادر إلى بعض الأوهام ، حتّى لو قصد الإفطار ـ مثلا ـ في شهر رمضان ولم يفطر ، لم يكن آثما ، كيف والمصنّف مصرّح في كتب الفروع بتأثيمه (٣).
قال : والحاصل أنّ تحريم العزم على المعصية ممّا لا ريب فيه عندنا ، وكذا عند سائر الفقهاء ، وكتب الفقه والتفسير والحديث مشحونة بذلك ، بل هو من ضروريّات الدين.
ثمّ أخذ في نقل كلام كبار العلماء بهذا الشأن :
قال أبو عليّ الطبرسي ـ عند تفسيره لقوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(٤) من كتابه «جوامع الجامع» (٥) ـ الّذي هو اختصار لتفسير الكشّاف للزمخشري ـ : «يقال للإنسان : لم سمعت ما لا يحلّ لك سماعه ، ولم نظرت إلى ما لا يحلّ لك النظر إليه ، ولم عزمت على ما لا يحلّ لك العزم عليه؟».
__________________
(١) انظر : قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعزّ الدين عبد السّلام ١ : ٢٥ ـ ٢٦.
(٢) القواعد والفوائد ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨ ، الفائدة ٢١.
(٣) راجع : الدروس ١ : ٢١٤ ، كتاب الصوم.
(٤) الإسراء ١٧ : ٣٦.
(٥) جوامع الجامع ٢ : ٣٢٨.