نعم ، الإنسان إنّما يقوم بأعمال هي انعكاسات لما ينطوي عليه باطنه ، وتجلّيات لما انطبعت عليه سريرته ، وبالأحرى فإنّ الأعمال إثارة للسرائر ، والبواعث الداخليّة هي الّتي تبدو بصورة أعمال ظاهريّة. وكلّ إناء بالّذي فيه ينضح ، وعليه فليست تصرّفات الإنسان ومزاولاته في الحياة ، سوى تجسّدات لما ينطوي عليه باطنه من استعدادات وقابليّات ، وهي الّتي تشكّل واقعه الذاتيّ وشاكلته في حقيقة الأمر. فربّ عمل في ظاهره كبير لكنّه في واقعه ـ وبحسب ما نواه صاحبه ـ حقير ، أو كان بظاهره خيرا وكان القصد من ورائه الشرّ محضا.
ومن ثمّ فإنّ الأعمال إنّما تقوّم حسب النيّات ، صاعدة بها أو هابطة. وأنّ لكلّ امرء ـ من حظّ الكمال ـ ما نوى ، كما في الحديث :
[٢ / ٨٢٠٥] روى أبو جعفر الطوسي بإسناده إلى عليّ بن جعفر وعليّ بن موسى عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عن آبائه عليهمالسلام : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أغزى عليّا عليهالسلام في سريّة ، وأمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريّته. فقال رجل من الأنصار لأخ له : أغز بنا في سريّة عليّ ، لعلّنا نصيب خادما أو دابّة أو شيئا نتبلّغ به. فبلغ النبيّ قوله ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّما الأعمال بالنيّات ، ولكلّ امرء ما نوى ؛ فمن غزا ابتغاء ما عند الله ـ عزوجل ـ فقد وقع أجره على الله ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا (١) ، لم يكن له إلّا ما نوى» (٢).
[٢ / ٨٢٠٦] وهكذا روى أصحاب السنن بالإسناد إلى عمر بن الخطّاب ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرء ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (٣).
__________________
(١) العقال : الغنائم ، إذا أخذت بأعيانها ، فإنّها تعقل أي تشدّ بحزام.
(٢) أمالي الطوسي : ٦١٨ / ١٢٧٤ ـ ١٠ ، المجلس ٢٩ ؛ ترتيب الأمالي ٩ : ١٨١ / ٥٣٢٦ ـ ٨.
(٣) مسند أحمد ١ : ٢٥ و ٤٣ ؛ البخاري ١ : ٢ ؛ مسلم ٦ : ٤٨ ؛ البيهقي ٢ : ١٤ ؛ الترمذي ٣ : ١٠٠ / ١٦٩٨ ، باب ١٦ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، باب ٢٦ ؛ أبو داوود ١ : ٤٩٠ / ٢٢٠١ ، باب ١١ ؛ كنز العمّال ٣ : ٧٩٢ ـ ٧٩٣ / ٨٧٧٩ ؛ تاريخ بغداد ٢ : ٢٤٤ و ٦ : ١٥٣ ؛ ابن المبارك في الزهد : ١٨٨ ؛ الحلية ٨ : ٤٢ ؛ النسائي الكبرى ١ : ٧٩ ـ ٨٠ / ٧٨ ؛ الطيالسي : ٩ ؛ الحميدي : ٢٨ ؛ كتاب الزهد ـ هنّاد ٢ : ٤٤٠ / ٨٧١ ؛ ترتيب الأمالي ٦ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ ؛ غوالي اللئالي ١ : ٨١ ـ ٨٢ / ٣.