لغيره إلى أجل ، على أن يأخذ منه كلّ شهر قدرا معيّنا ، ورأس المال باق بحاله. فإذا حلّ الأجل ، طالبه برأس ماله ، فإن تعذّر عليه الأداء ، زاده في الحقّ والأجل» (١).
وهذا هو الّذي تغلّظ تحريمه وعظم قبحه وكبر مقته وكثر فساده ونهى الله عنه وأوعد عليه النار. قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ). (٢) أي تلك شنعة كان يرتكبها الجهلاء ، فحاشاكم ـ وأنتم النبهاء ـ أن تكونوا أمثالهم!
والشنعة ، كما تصوّرها القرآن الكريم في أقبح صورها المزرية (لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ)(٣) أي ألعوبة يتلاعب بها إبليس في تسويلاته الخبيثة ، ومن ثمّ تراه يتخبّط خبط عشواء ولا يلوى على شيء ، إنّما تعني هذا النوع من الربا ، الشائع لدى جميع الأقوام ولا يزال.
أمّا ربا النقد فهو أن يبيع الرجل الشيء بالشيء من جنسه المماثل له ، مع زيادة كبيع الذهب بالذهب ، والدراهم بالدراهم ، والقمح بالقمح ، والشعير بالشعير ، وهكذا. فيدفع الأكثر ليأخذ الأقلّ أو العكس حيث كان أحدهما أدون من الآخر ، فيقع التبادل بين الأدون والأفضل ، بزيادة في طرف الأدون.
وقد ألحق هذا النوع بالربا ، لما فيه من شبه به ، ولما يصاحبه أحيانا من مشاعر مشابهة للمشاعر المصاحبة لعمليّة الربا.
[٢ / ٨١٣١] عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الذهب بالذهب والفضّة بالفضّة ، والبرّ بالبرّ والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح ، كلّا مثلا بمثل ، يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء» (٤).
[٢ / ٨١٣٢] وعنه أيضا قال : «جاء بلال إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بتمر برنيّ ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أين هذا؟ قال : كان عندنا تمر رديء ، فبعث منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم! فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
__________________
(١) التفسير الكبير ٧ : ٨٥.
(٢) آل عمران ٣ : ١٣٠ ـ ١٣١.
(٣) البقرة ٢ : ٢٧٥.
(٤) مسلم ٥ : ٤٤ ؛ النسائي ٤ : ٢٨ ـ ٢٩ / ٦١٥٨ ؛ البيهقي ٥ : ٢٧٨.