بالآخرين ، فلا يكون من جرّائها تعويق أو تعطيل لجريان الأرزاق بين العباد
، ودوران المال في الأيدي على أوسع نطاق ، الأمر الّذي يعني : توزيع الثروة العادل
، فلا تتضخّم الثروات في أيدي الأغنياء ، ويظلّ الفقراء محرومين : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) ، أي تتداول الأموال على أيدي الأثرياء فحسب ، فتتزايد
وتتضخّم ثرواتهم في أحجام هائلة. وهم القلّة من أفراد المجتمع ، ويبقى الفقراء ،
وهم الأكثريّة البالغة ، مدقعين ؛ قد أدقع بهم الفقر وأذاقهم الأمرّين من متع
الحياة!!
هذا ما كانت
عليه الجاهليّة الأولى ، تتشكّل مجتمعاتهم من طبقتين : طبقة راقية موسّع عليهم وفي
رفاه بالغ ، وهم القلّة القليلة ، تائهون في نشواتهم ونزقاتهم ، ولا يهمّهم شيء
سوى استثمار المعوزين ، مستغلّين فرصة افتقارهم وحاجتهم بالذات ، لا رحمة ولا
انصاف.
وهؤلاء الفقراء
المعوزون هم الكثرة الكثيرة الّذين يشكّلون الطبقة الأخرى ، الكبيرة حجما ،
الحقيرة وضعا وحالا.
جاء الإسلام
ليكافح هذه الطّبقيّة الغاشمة الجائرة إلى حدّ بعيد. كما وكتب عليهم الطهارة في
النيّة والعمل ، والنظافة في الوسيلة والغاية ، وفرض عليهم قيودا في تنمية المال
لا تجعلهم يسلكون إليها سبلا تؤذي ضمير الفرد وخلقه ، أو تؤذي حياة الجماعة
وكيانها ... .
والإسلام ،
أقام هذا النظام العادل على أساس التصوّر الممثّل لحقيقة الواقع في الوجود ، وعلى
أساس عهد الاستخلاف الّذي يحكم كلّ تصرّفات الإنسان المستخلف ، في هذا الملك
العريض.
ومن ثمّ فإنّ
الربا ـ في حقيقته ـ عمليّة تصطدم مع قواعد التصوّر الإيماني إطلاقا ، لأنّه يصطدم
مع النظام في صميم كيانه المبتني على أساس «توزيع الثروة العادل» دون تضخّمها في
جانب ، وضئالتها بل ضحالتها في جانب آخر.
وكذلك يصطدم مع
أصل السواسيّة في الانتفاع بمباهج الطبيعة ومعطياتها لكلّ عايش في ظلّ رحمتها ،
كلّ حسب استعداده وطاقاته ، والمساعي الّتي يبذلها في سبيل التمتّع بلذائذ الحياة.
وكذلك يصطدم مع
قانون التعاضد والتعاون والتكافل الاجتماعي ، الحاكم على جميع أنظمة
__________________