فيغرس مثل بستانه ، ولا يجد خيرا قدّم لنفسه يعود عليه ، كما لم يغن عن هذا ولده وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه ، كما حرم هذا جنّته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذرّيّته.
قال : وهو مثل ضربه الله للمؤمن والكافر فيما أوتيا في الدنيا ، كيف نجى المؤمن في الآخرة وذخر له من الكرامة والنعيم ، وخزن عنه المال في الدنيا ، وبسط للكافر في الدنيا من المال ما هو منقطع ، وخزن له من الشرّ ما ليس بمفارقه أبدا ويخلد فيها مهانا ، من أجل أنّه فخر على صاحبه ووثق بما عنده ولم يستيقن أنّه ملاق ربّه (١).
[٢ / ٧٦٨٦] وأخرج ابن جرير عن عبد الملك ، عن عطاء ، قال : سأل عمر الناس عن هذه الآية فما وجد أحدا يشفيه ، حتّى قال ابن عبّاس وهو خلفه : يا أمير المؤمنين إنّي أجد في نفسي منها شيئا ، قال : فتلفّت إليه ، فقال : تحوّل ها هنا ، لم تحقّر نفسك! قال : هذا مثل ضربه الله ـ عزوجل ـ فقال : أيودّ أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السعادة ، حتّى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فني عمره واقترب أجله ، ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء ، فأفسده كلّه فحرّقه أحوج ما كان إليه (٢).
وهذا الخبر أخرجوه بطرق فيها بعض زيادة ونقص :
[٢ / ٧٦٨٧] أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عبّاس قال : قال عمر بن الخطّاب : قرأت الليلة آية أسهرتني : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) فقرأها كلّها فقال : ما عنى بها؟ فقال بعض القوم : الله أعلم! فقال : إنّي أعلم أنّ الله أعلم ، ولكن إنّما سألت إن كان عند أحد منكم علم وسمع فيها شيئا أن يخبر بما سمع؟ فسكتوا. فرآني وأنا أهمس. قال : قل يا ابن أخي ولا تحقّر نفسك. قلت : عنى بها العمل. قال : وما عنى بهذا العمل؟ قلت : شيء ألقي في روعي فقلته. فتركني وأقبل وهو يفسّرها (٣) ، ثمّ التفت إليّ وقال : صدقت يا ابن أخي ، عنى بها العمل ، ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنّته إذا كبرت سنّه وكثر عياله ، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم القيامة ، صدقت يا ابن أخي (٤).
__________________
(١) الطبري ٣ : ١٠٧ / ٤٧٧٨ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٣ ـ ٥٢٤ / ٢٧٧٨ ؛ الدرّ ٢ : ٤٨ ؛ ابن كثير ١ : ٣٢٧.
(٢) الطبري ٣ : ١٠٥ / ٤٧٧٢.
(٣) ولعلّ الصحيح : وهو يستفسرهم.
(٤) الدرّ ٢ : ٤٧ ؛ كنز العمّال ٢ : ٣٥٦ / ٤٢٢٨.