وهكذا كان الحسن يقول في قوله تعالى : (إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) : فيها صرّ وبرد (١).
[٢ / ٧٦٨٤] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) : هذا مثل ضربه ـ عزوجل ـ لعمل الكافر : جنّة (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) يعني عجزة لا حيلة لهم (فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ) يعني ريح فيها نار ، يعني فيها سموم حارّة (فَاحْتَرَقَتْ) يقول : مثل الكافر كمثل شيخ كبير له بستان فيه من كلّ الثمرات ، وله ذرّيّة أولاد صغار ، يعني عجزة لا حيلة لهم ، فمعيشته ومعيشة ذرّيّته من بستانه ، فأرسل الله على بستانه السموم الحارّة فأحرقت بستانه ، فلم يكن له قوّة من كبره أن يدفع عن جنّته ، ولم تستطع ذرّيّته الصغار أن يدفعوا عن جنّتهم الّتي كانت معيشتهم منها حين احترقت ، ولم يكن للشيخ قوّة أن يغرس مثل جنّته ولم يكن عند ذرّيّته خير فيعودون به على أبيهم عند ما كان أحوج إلى خير يصيبه ، ولا يجد خيرا ، ولا يدفع عن نفسه عذابا كما لم يدفع الشيخ الكبير ولا ذرّيّته عن جنّتهم شيئا حين احترقت ، ولا يردّ الكافر إلى الدنيا فيعتب ، كما لا يرجع الشيخ الكبير شابّا فيغرس جنّة مثل جنّته ، ولم يقدّم لنفسه خيرا ، فيعود عليه في الآخرة ، وهو أحوج ما يكون إليه ، كما لم يكن عند ولده شيئا فيعودون به على أبيهم ، ويحرم الخير في الآخرة عند شدّة حاجته إليه ، كما حرم جنّته عند ما كان أحوج ما يكون إليها عند كبر سنّه وضعف ذرّيّته. (كَذلِكَ) يعني هكذا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) يعني يبيّن الله أمره (لَعَلَّكُمْ) يقول لكي : (تَتَفَكَّرُونَ) في أمثال الله ـ عزوجل ـ فتعتبروا (٢).
[٢ / ٧٦٨٥] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : ضرب الله مثلا حسنا ـ وكلّ أمثاله حسن ـ قال : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) يقول : صنعه في شبيبته فأصابه الكبر ، وولده وذرّيّته ضعفاء عند آخر عمره ، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه فلم يكن عنده قوّة أن يغرس مثله ، ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه ، فكذلك الكافر يوم القيامة إذا ورد على الله ليس له خير فيستعتب ، كما ليس لهذا قوّة
__________________
(١) الطبري ٣ : ١١٠ / ٤٧٩٠ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٤ / ٢٧٨٠ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٧١ / ٣٤٣ ؛ القرطبي ٣ : ٣١٩.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ٢٢١ ـ ٢٢٢.