يبطلها. فضرب الله ـ عزوجل ـ مثل لذلك : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ) يقول : ولا يصدّق بأنّه واحد لا شريك له (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يقول : ولا يصدّق بالبعث الّذي فيه جزاء الأعمال ، أنّه كائن. فمثله يعني مثل الّذي يمنّ بصدقته كمثل مشرك أنفق ماله في غير إيمان ، فأبطل شركه الصدقة ، ما أبطل المنّ والأذى صدقة المؤمن. ثمّ أخبر عمّن منّ بها على صاحبه فلم يعط عليها أجرا ولا ثوابا ، ثمّ ضرب الله ـ عزوجل ـ لهما مثلا فقال في مثله : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ) يعني الصفا (عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ) يعني المطر الشديد (فَتَرَكَهُ صَلْداً) يقول : ترك المطر الصفا صلدا نقيّا أجرد ليس عليه تراب ، فكذلك المشرك الّذي ينفق في غير إيمان ، وينفق رئاء الناس ، وكذلك صدقة المؤمن إذا منّ بها. وذلك قوله ـ سبحانه ـ : (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) يقول : لا يقدرون على ثواب شيء ممّا أنفقوا يوم القيامة ، وذلك قوله ـ عزوجل ـ : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى) ثواب (شَيْءٍ)(١) يوم القيامة كما لم يبق على الصفا شيء من التراب حين أصابه المطر الشديد (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(٢).
وعليه ، فيكون مثل إنفاق المرائي مثل ذلك الغشاء الرقيق من الغبار يعلو حجرا أملس لفترة جدّ قصيرة ، ويزول من فوره على أثر هبوب ريح عاصفة أو هطول مطر غزير. (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً)(٣).
قوله تعالى : (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) أي لا يستحصلون من آثار أعمالهم الحسنة ـ في ظاهرها ـ شيئا يعود عليهم بمنافع. إذ لا حصاد إذا كان الزارع قد أفسد زرعه. وكذلك المرائي قد أحبط عمله.
نعم من كان رائده الشيطان فإنّه سيهديهم إلى سراب يحسبه الظمآن ماء.
(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) ، وهذا قد كفر بأنعم لله وأعرض عن ذكره ومن ثمّ خذله الله وتركه ونفسه ، فكان طعمة للطاغوت (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ)(٤).
__________________
(١) إبراهيم ١٤ : ١٨.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ٢٢٠ ـ ٢٢١.
(٣) الفرقان ٢٥ : ٢٣.
(٤) البقرة ٢ : ٢٥٧.