ذلك فأزداد يقينا. فعاتبه الله ـ عزوجل ـ فقال : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) بإحياء الموتى؟ (قالَ بَلى) يا ربّ علمت وآمنت ولكن ليس الخبر كالمعاينة! فذلك قوله : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي يسكن قلبي إلى المعاينة والمشاهدة (١)!
[٢ / ٧٦٤٤] وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : أخذ ديكا وطاووسا وغرابا وحماما ، فقطع رؤوسهنّ وقوائمهنّ وأجنحتهنّ ، ثمّ أتى الجبل فوضع عليه لحما ودما وريشا ، ثمّ فرّقه على أربعة أجبال ، ثمّ نودي : أيّتها العظام المتمزّقة واللحوم المتفرّقة والعروق المتقطّعة ، اجتمعن ، يردّ الله فيكنّ أرواحكنّ! فوثب العظم إلى العظم ، وطارت الريشة إلى الريشة ، وجرى الدم إلى الدم ، حتّى رجع إلى كلّ طائر دمه ولحمه وريشه ، ثمّ أوحى الله إلى إبراهيم : إنّك سألتني كيف أحيي الموتى ، وإنّي خلقت الأرض وجعلت فيها أربعة أرواح : الشمال والصبا والجنوب والدبور ، حتّى إذا كان يوم القيامة نفخ نافخ في الصور ، فيجتمع من في الأرض من القتلى والموتى كما اجتمعت أربعة أطيار من أربعة جبال ، ثمّ قرأ : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ)(٢)(٣).
[٢ / ٧٦٤٥] وقال ابن جرير الطبري : ذكرنا عن ابن زيد آنفا (٤) من أنّ إبراهيم لمّا رأى الحوت الّذي بعضه في البرّ وبعضه في البحر ، قد تعاوره دوابّ البرّ ودوابّ البحر وطير الهواء ، ألقى الشيطان في نفسه (٥) فقال : متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟ فسأل إبراهيم حينئذ ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى ، ليعاين ذلك عيانا ، فلا يقدر بعد ذلك الشيطان أن يلقي في قلبه مثل الّذي ألقى فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك. فقال له ربّه : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) يقول : أو لم تصدّق يا إبراهيم بأنّي على ذلك قادر؟ قال : بلى يا ربّ ، لكن سألتك أن تريني ذلك ليطمئنّ قلبي ، فلا يقدر الشيطان أن يلقي في قلبي مثل الّذي فعل عند رؤيتي هذا الحوت (٦).
__________________
(١) الثعلبي ٢ : ٢٥١ ؛ البغوي ١ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ؛ التبيان ٢ : ٣٢٦ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٧٧ ؛ أبو الفتوح ٤ : ٢٧ ، بمعناه عن الحسن وقتادة وعطاء والضحّاك وابن جريج ؛ الوسيط ١ : ٣٧٤ ، بمعناه ونسبه إلى المفسّرين.
(٢) لقمان ٣١ : ٢٨.
(٣) الدرّ ٢ : ٣٥ ـ ٣٦.
(٤) الطبري ٣ : ٦٨ / ٣٦٦٤.
(٥) حاش لله ، ليس للشيطان سلطان على عباد الله المخلّصين.
(٦) الطبري ٣ : ٧١ / ٤٦٧٢.