فذبحهنّ وعزل رؤوسهنّ ثمّ نحز أبدانهنّ بالمنحاز بريشهنّ ولحومهنّ وعظامهنّ حتّى اختلط ، ثمّ جزّاهنّ عشرة أجزاء على عشرة جبال ، ثمّ وضع عنده حبّا وماء ، ثمّ جعل مناقيرهنّ بين أصابعه ، ثمّ قال : إيتيني سعيا بإذن الله! فتطايرت بعضهنّ إلى بعض اللحوم والريش والعظام حتّى استوت بالأبدان كما كانت ، وجاء كلّ بدن حتّى التزق برقبته الّتي فيها المنقار!
فخلّى إبراهيم عن مناقيرها فوقعن وشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحبّ ، ثمّ قلن : يا نبيّ الله أحييتنا أحياك الله. فقال : بل الله يحيي ويميت.
قال : فهذا تفسيره في الظاهر ، وأمّا تفسيره في باطن القرآن فقال : خذ أربعة ممّن يحتمل الكلام (١) فاستودعهم علمك ، ثمّ ابعثهم في أطراف الأرض حججا لك على الناس ، فإذا أردت أن يأتوك دعوتهم بالاسم الأكبر يأتونك سعيا بإذن الله» (٢).
[٢ / ٧٦٣٩] وعن محمّد بن إسماعيل عن عبد الله بن عبد الله قال : جاءني أبو جعفر بن سليمان الخراساني وقال : نزل بي رجل من خراسان من الحجّاج فتذاكرنا الحديث ، فقال : مات لنا أخ بمرو ، وأوصى إليّ بمئة ألف درهم ، وأمرني أن أعطي أبا حنيفة منها جزءا ، ولم أعرف الجزء كم هو ممّا ترك؟ فلمّا قدمت الكوفة أتيت أبا حنيفة فسألته عن الجزء فقال لي : الربع ، فأبى قلبي ذلك ، فقلت : لا أفعل حتّى أحجّ وأستقصي المسألة. فلمّا رأيت أهل الكوفة قد أجمعوا على الربع ، قلت لأبي حنيفة : لا سوءة (٣) بذلك ، لك أوصى بها يا أبا حنيفة ، ولكن أحجّ وأستقصي المسألة! فقال أبو حنيفة : وأنا أريد الحجّ!
فلمّا أتينا مكّة وكنّا في الطواف فإذا نحن برجل شيخ قاعد قد فرغ من طوافه وهو يدعو ويسبّح ، إذ التفت أبو حنيفة فلمّا رآه قال : إن أردت أن تسأل غاية الناس فسل هذا ، فلا أحد بعده! قلت : ومن هذا؟ قال : جعفر بن محمّد عليهالسلام ، فلمّا قعدت واستمكنت إذ استدار أبو حنيفة خلف ظهر جعفر بن محمّد عليهالسلام فقعد قريبا منّي فسلّم عليه وعظّمه وجاء غير واحد مزدلفين مسلّمين عليه وقعدوا ، فلّما رأيت ذلك من تعظيمهم له اشتدّ ظهري فغمزني أبو حنيفة أن تكلّم! فقلت : جعلت
__________________
(١) من الرجال الّذين يحتملون العلم ويستطيعون حمل عبء العلم على كاهلهم.
(٢) العيّاشي ١ : ١٦٥ / ٤٧٨.
(٣) وفي نسخة : لا سترة. وفي أخرى : لا تسبق. ولعلّه الأظهر.