قال : ومن وجّه الآية إلى هذا التأويل ، كان في الكلام عنده متروك (١) ، قد ترك ذكره استغناء بدلالة الظاهر عليه. ويكون معناه حينئذ عنده : «قال : فخذ أربعة من الطير فصرهنّ إليك ، ثمّ قطّعهنّ ، ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزء».
قال : وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك ـ إذا قرئ كذلك بالضمّ ـ : قطّعهنّ ، كما قال توبة بن الحمير الخفاجي :
فلمّا جذبت الحبل أطّت نسوعه |
|
بأطراف عيدان شديد أسورها |
فأدنت لي الأسباب حتّى بلغتها |
|
بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورها |
يعني : يقطّعها (٢).
قال : وإذا كان ذلك (٣) تأويل الآية ، كان في الكلام تقديم وتأخير ، ويكون معناه : فخذ أربعة من الطير إليك فصرهنّ. ويكون «إليك» من صلة «خذ».
قال : وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة : «فصرهنّ إليك» بالكسر ، بمعنى : قطّعهنّ.
قال : وقد زعم جماعة من نحويّي الكوفة (٤) أنّهم لا يعرفون «فصرهنّ» و «فصرهنّ» بمعنى قطّعهنّ في كلام العرب. وأنّهم لا يعرفون كسر الصاد وضمّها في ذلك إلّا بمعنى واحد ، وأنّهما جميعا لغتان بمعنى الإمالة (٥) وأنّ كسر الصاد منها لغة في هذيل وسليم. وأنشدوا لبعض بني سليم :
وفرع يصير الجيد وحف كأنّه |
|
على الليت قنوان الكروم الدوالح |
يعني بقوله : يصير : يميل. وأنّ أهل هذه اللغة يقولون : صاره وهو يصيره صيرا. وصر وجهك إليّ أي أمله ، كما تقول : صره.
قال : وزعم بعض نحويّي الكوفة (٦) أنّه لا يعرف لقوله : فصرهنّ إليك ، ولا لقراءة من قرأ «فصرهنّ» بضمّ الصاد وكسرها وجها في إرادة التقطيع ، إلّا أن يكون «فصرهنّ إليك» ـ في قراءة
__________________
(١) أي تقدير.
(٢) لكن لا شاهد له في البيت. إذ من المحتمل أن يريد : كاد ارتقائي يميل بها ويحوّرها عن استوائها.
(٣) أي تفسير صرهنّ : قطّعهنّ.
(٤) يريد منهم : الفرّاء في معاني القرآن حسبما مرّ.
(٥) كما عرفت في كلام اللحياني والفرّاء.
(٦) هو الفرّاء في معاني القرآن.