واحتجّ المشهور على قولهم ، بالإجماع وعدم مزيّة لإبراهيم لو كان مجرّد تأليفه للطيور حتّى يأنسن به ويأتينه بالدعاء. كما ليس في فرض أبي مسلم إحياء لأموات ، فلم يكن هناك استجابة لسؤال إبراهيم. وأخيرا فإنّ صريح التعبير هو جعل الأجزاء على الجبال ، لا الطيور بأعيانها.
وأجاب أبو مسلم عن هذا الأخير ، أنّ التعبير بالأجزاء ، كان باعتبار العدد (أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) أي بعضا من الأربعة (١).
قال الأستاذ عبده : إنّ فهم المفسّرين القدامى لا يصلح حجّة لفهم الآخرين ، حيث سبيل الفهم سبيل العقل لا النقل والتقليد.
قال : وما فهمه أبو مسلم هو المتبادر من عبارة الآية الكريمة. وأمّا ما قاله المفسّرون فهو مأخوذ من روايات حكّموها على الآية ، من غير أن تكون للآية دلالة على ذلك؟!
وأمّا قولهم : إنّ ما ذكره أبو مسلم غير مختصّ بإبراهيم ، فلا مزيّة له فيه ، فهو مردود بأنّ هذا المثال إنّما هو لكيفيّة إحياء الموتى وسرعة إجابتهم عند النداء يوم اللقاء ، وليس فيه إراءة معلومات عن سرّ الحياة وكيفيّة تحقّقها التكويني بالذات.
وإنّما هو إراءة لظاهرة الحياة ، ولجانب سرعة تكوين ما أراد الله تكوينه. (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٢).
قوله : إنّما أمره أي شأنه تعالى في الخلق والتكوين. ففور إرادته تعالى لتكوين شيء ، فهو يكون.
فهذا من إراءة مظاهر قدرته تعالى ، ممّا لا يخصّ إبراهيم ولا غيره من الأولياء المقرّبين ، بل ويعمّ سائر الخلائق أجمعين.
وهذا كما في الإجابة على سؤال موسى عليهالسلام : (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي)(٣).
فهذه الحجّة على عدم إمكان رؤية الله بالبصر ، قائمة لكلّ البشر ، ولا يخصّ موسى بالذات.
__________________
(١) التفسير الكبير ٧ : ٤١ ـ ٤٢.
(٢) يس ٣٦ : ٨٢.
(٣) الأعراف ٧ : ١٤٣.