يذهب إلى العظم ، والريشة إلى الريشة ، والبضعة إلى البضعة ، وذلك بعين خليل الله إبراهيم ، ثمّ دعاهنّ فأتينه سعيا ، يقول : شدّا على أرجلهنّ. وهذا مثل أراه الله إبراهيم ، يقول : كما بعثت هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة ، كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها (١).
وفي هذا الحديث بعض الخلط ، حيث خلط بين فرض الحادثة ـ لتكون مثلا ضربه الله لإبراهيم كيف يتصوّر حشر الأموات يوم النشور ـ وبين تحقّقها عينا ، ممّا لا شاهد عليه من القرآن.
***
واحتجّ أبو مسلم ـ على وجاهة رأيه ـ بوجوه :
أوّلا : المشهور في اللغة في قوله : (فَصُرْهُنَ) أملهنّ ، وأما التقطيع والذبح ، فليس في الآية ما يدلّ عليه ، ومن ثمّ كان إدراجه في الآية إلحاقا لزيادة بالآية لم يدلّ الدليل عليها ، وإنّه لا يجوز.
وقد عمد بعضهم إلى ترجمة (فَصُرْهُنَ) إلى «قطّعهنّ» (٢). ولم يأت ذلك في اللغة على ما سنبيّن.
ثانيا : لو كان المراد بصرهنّ : قطّعهنّ ، لم يصحّ تعديته بإلى : «صرهنّ إليك». فإنّ هذا المعنى لا يناسبه التعدّي بإلى. لا يقال : قطّعهنّ إليك ، ولا معنى لذلك .. وإنّما يتعدّى بهذا الحرف إذا كان «صرهنّ» بمعنى «أملهنّ».
وزعموا أنّ في الكلام تقديما وتأخيرا ، وأنّ التقدير : فخذ إليك أربعة من الطير فصرهنّ!
لكن التزام التقديم والتأخير من غير دليل ، التزام لخلاف الظاهر من غير ضرورة.
ثالثا : الضمير في قوله : (ثُمَّ ادْعُهُنَ) عائد إلى الطيور بأعيانها ، لا بأجزائها ، وإذا كانت الأجزاء متفرّقة متباعدة بعضها عن البعض ، وكان الموضوع على كلّ جبل بعض تلك الأجزاء ، يلزم أن يكون الضمير عائدا إلى تلك الأجزاء ، لا إلى أعيان الطيور ، وهو خلاف الظاهر.
وأيضا ، الضمير في قوله : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) عائد إلى أعيان الطيور ، لا إلى أجزائها.
أمّا على قول المشهور ـ إذا سعى بعض الأجزاء إلى البعض ـ كان الضمير في (يَأْتِينَكَ) عائدا إلى الأجزاء ، وكان يجب أن يكون صوغ الكلام هكذا : «يأتين بعضهنّ بعضا».
__________________
(١) الدرّ ٢ : ٣٥ ؛ الطبري ٣ : ٨١ / ٤٧٠٥.
(٢) نسب ذلك إلى ابن عبّاس وسعيد بن جبير والحسن. مجمع البيان ٢ : ١٧٨.