عوّدتهنّ على ذلك ، فاجعل على كلّ جبل طيرا وفرّقهن في أماكن متباعدة ، ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا ، وعلى فور من سماع صوتك.
وهكذا تتسرّع الموتى من مضاجعهم سعيا للحضور في ساحة الحشر ، بمجرّد أن جاءهم النداء : كونوا حضورا.
وذلك أنّ الإنسان في جبلّته الرغبة الملحّة إلى العودة إلى حيث المبدأ ، (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) ، (١) والجميع منه وإليه (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)(٢).
فكما أنّ الطير إذا أنس بشيء أو شخص ، انجذب إليه انجذابا ، لمجرّد أن أحسّ به ، وهكذا الإنسان في صميم ذاته منجذب إلى ربّه الكريم انجذابا لا يلويه عن التسرّع إليه والحضور لديه ، أيّ رغبة أخرى. وهذا هو معنى كدحه إلى ربّه كدحا حثيثا لا يثنيه عن عزمه شيء ، حتّى يلاقي ربّه يوم اللقاء.
***
[٢ / ٧٥٧١] وقد أخرج ابن جرير بإسناده إلى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عبّاس ـ في الآية ـ قال : إنّما هو مثل (٣). وسيأتي تمام الحديث.
[٢ / ٧٥٧٢] وكذا أخرج عن ابن جريح وابن أبي نجيح جميعا عن مجاهد ، قال : إنّما هو مثل ضربه الله لإبراهيم : قال : قال مجاهد : (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) ثمّ بدّدهن أجزاء على كلّ جبل ثمّ ادعهنّ : تعالين بإذن الله! فكذلك يحيي الله الموتى ؛ مثل ضربه الله لإبراهيم عليهالسلام (٤).
[٢ / ٧٥٧٣] وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ثمّ اجعلهنّ أجزاء على كلّ جبل ، ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا ، كذلك يحيي الله الموتى ؛ هو مثل ضربه الله لإبراهيم عليهالسلام (٥).
[٢ / ٧٥٧٤] وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) قال : ذبحهنّ ثمّ قطّعهنّ ثمّ خلط بين لحومهنّ وريشهنّ ثمّ قسّمهنّ عل أربعة أجزاء ، فجعل على كلّ جبل منهنّ جزء ، فجعل العظم
__________________
(١) الانشقاق ٨٤ : ٦.
(٢) البقرة ٢ : ١٥٦.
(٣) الطبري ٣ : ٧٨ / ٤٦٨٧.
(٤) المصدر : ٨٢ / ٤٧١٠.
(٥) المصدر.