ثمّ لا بدّ أن كانت هناك دلائل وشواهد على سباته تلك الفترة الطويلة ، وعلاوة على ذلك كانت دلائل آيات الله أيضا لائحة عليها.
ومن ثمّ جاء التعقيب بقوله تعالى : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فقد كانت هناك أشلاء متمزّقة وأعضاء متفتّتة ، دليلا على طول الأمد في اندثارها. وإلى جنبها أشياء باقية على حالتها الأولى سليمة لم تتغيّر ، ممّا كان وجودها مقارنا مع وجود تلكم الأشلاء المتمزّقة.
فما هذا البقاء وذلك الفناء ، في أشياء متقارنة الوجود ، إلّا دلائل واضحة على عظيم قدرة الله ، وهو فاعل الإفناء والإبقاء على حدّ سواء.
هذا ما ظهر لهذا النبيّ ظهورا بالحسّ والعيان ، وليكون على يقين واطمئنان ، كما في قصّة إبراهيم عليهالسلام الآتية.
نعم ، وهذه الآثار المحسوسة لم تكن في طعام الرجل ولا شرابه ؛ إذ لم يكونا آسنين متعفّنين : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) : لم يتغيّر ، من السّنة ، لأنّ مرّ السنين يوجب التغيّر يقال : شجرة سنهاء أي معمّرة مضت عليها سنون. وكذا الماء المسنون : المتغيّر المنتن على أثر مضيّ الزمان. وهكذا الآسن : الماء المتغيّر.
[٢ / ٧٥٥٢] وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عبّاس : أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله : (لَمْ يَتَسَنَّهْ). قال : لم تغيّره السّنون! قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :
طاب منه الطعم والريح معا |
|
لن تراه يتغيّر من أسن (١) |
***
وإذن فلابدّ أنّ هذه الآثار المحسوسة كانت متمثّلة في شخصه أو في حماره : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) نركّب بعضها على بعض (٢)(ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً).
__________________
(١) الدرّ ٢ : ٣٠.
(٢) وقد كانت مبعثرة منتشرة هنا وهناك.