[٢ / ٧٥٤٩] قال قتادة : خربة ليس فيها أحد! (١).
ومن ثمّ فإنّه تحدّث في نفسه : هل هناك من يهتمّ بها أو يقوم بإعادة الحياة إليها؟!
وحيث كان الرجل مؤمنا بالله القائم على كلّ أمر ، جاء حديثه مع الله : كيف يبعث الله من يقوم على إعادة حياتها ، وكيف يتحقّق هذا الأمر المستبعد في ظاهره؟! قال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) كيف تدبّ الحياة في هذا الموات؟
[٢ / ٧٥٥٠] قال قتادة : أنّى تعمر هذه بعد خرابها؟ (٢)
سؤال استعجابي عن الكيفيّة ـ الّتي كان يجهلها ـ وليس عن استنكار.
(فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) أراه الله ظاهرة الموت والحياة ، رؤية في ذات نفسه ، وفي تجربة وقعت في ذاته نفسه ، ليراها بشهود عيان ، ويلمسها في الصميم.
(فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) : أفقده الحياة حقبا طويلا ، لا تدوم معه الحياة عادة ، (ثُمَّ بَعَثَهُ) : أفاض عليه الحياة من جديد.
فقد أراه الله في عالم الواقع ، كيف يقع الموت والحياة ، يقعان لحظة إرادته تعالى. الأمر الّذي لا يعالج ـ أحيانا ـ بالبرهان العقلي ولا بالمنطق الوجداني ، وإنّما يكون العلاج بالتجربة الشخصيّة الذاتيّة المباشرة ، الّتي يمتلىء بها الحسّ ، ويطمئنّ بها القلب ، دون كلام!
ثمّ لتنبيهه على هذه التجربة الذاتيّة (قالَ : كَمْ لَبِثْتَ قالَ) فيما حسب : (يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). ذلك أنّه ـ حسبما ورد في بعض الروايات ـ : أخذته السبتة والشمس في ضحاها ، وكانت إفاقته عند العشيّ قبيل الغروب :
[٢ / ٧٥٥١] روى العيّاشي بالإسناد إلى أبي بصير عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «أماته الله غدوة ، وبعثه عشيّة قبل أن تغيب الشمس» (٣).
فنبّهه تعالى على طول فترة غياب نفسه : (قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ).
__________________
(١) الطبري ١٠ : ٢٣٦ / ١٩١٣٢ ؛ عبد الرزّاق ٢ : ٤٠٩ / ١٩٤٣.
(٢) ابن أبي حاتم ٢ : ٥٠١ / ٢٦٤٨.
(٣) العيّاشي ١ : ١٦٠ ـ ١٦١ / ٤٦٧ ؛ البحار ١٤ : ٣٧٣ / ١٤ ، باب ١٥.