رسول الله خرج إلى الصبح فوجدها عند بابه ، فقال : من هذه؟ قالت : أنا حبيبة بنت سهل. قال : ما شأنك؟ قالت : لا أنا ولا ثابت ، وإنّي أكره الكفر بعد الإسلام (١)! فقال لها رسول الله : أتردّين عليه ما أصدقك؟ قالت : نعم. فاستدعى رسول الله ثابتا وقال له : خذ ما أصدقتها ـ وكانت حديقتين ـ وفارقها ، فأخذهما ثابت ، وجلست في أهلها.
وفي رواية ابن ماجة : أنّها ردّت عليه ما أصدقها ، ففرّق بينهما رسول الله (٢).
ولابن كثير والقرطبي هنا شروح وتفاصيل. والأكثر كلاما وأبسطه هو ابن حجر العسقلاني في الفتح وفي الإصابة لمعرفة الصحابة ، فراجع.
والروايتان ـ على استفاضتهما ـ متداخلتان في بعض عبائرهما ، ممّا يعود إلى خلط الراوي والتباس إحدى الحادثتين بالأخرى. غير أنّ الأصل في كلّ منهما محفوظ مضبوط لا غبار عليه.
والّذي نستخلص منهما ولا سيّما الأولى : أنّه في صورة كراهة الزوجة ـ إذا كانت شديدة لا تطاق ـ فإنّها ترفع أمرها إلى وليّ الأمر (الحاكم الشرعي) وهو الّذي يتولّي شأنها ويقضي بفراقها ، وليس للزوج الامتناع : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(٣).
والمراد بقضاء الله ورسوله : أن يكون القضاء وفق شريعة السماء ، ولا يكون إلّا كذلك. وعليه فقبول الرجل كان فرضا عليه وليس له الردّ ولا المماطلة. فإن استسلم وطلّقها ، وإلّا فالحاكم الشرعي هو الّذي يتصدّى طلاقها ويقضي بالفراق.
وبذلك صحّت الرواية عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام :
[٢ / ٦٧٥٢] روى الشيخ بإسناده إلى زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «لا يكون الخلع حتّى تقول : لا أطيع لك أمرا ولا أبرّ لك قسما ولا أقيم لك حدّا ، فخذ منّي وطلّقني. فإذا قالت ذلك فقد حلّ له أن
__________________
(١) تريد أن لا صبر لها معه ، وربما خرجت ـ إن بقيت معه ـ عن أدب الإسلام.
(٢) أبو داوود ١ : ٤٩٦ / ٢٢٢٨ ، باب ١٨ ؛ ابن ماجة ١ : ٦٦٣ ، باب المختلعة تأخذ ما أعطاها ؛ الطبري ٢ : ٦٢٦ / ٣٧٩٩ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٦ : ٤٨٤ / ١١٧٦٢ ؛ مسند أحمد ٦ : ٤٣٣ ـ ٤٣٤ ؛ النسائي ٣ : ٣٦٩ / ٥٦٥٦ ؛ البيهقي ٧ : ٣١٢ ـ ٣١٣ ؛ كنز العمّال ٦ : ١٨٤ / ١٥٢٧٧ ؛ ابن كثير ١ : ٢٨١ ؛ القرطبي ٣ : ١٤٠ ـ ١٤١ ؛ الإصابة ٤ : ٢٦١ و ٢٧٠ و ٣١٧.
(٣) الأحزاب ٣٣ : ٣٦.