نمروذ بن كنعان بن ريب بن نمروذ بن كوشى بن نوح ، وهو أوّل من ملك الأرض كلّها! وهو الّذي بنى الصرح ببابل (أَنْ آتاهُ اللهُ) يقول : أن أعطاه الله (الْمُلْكَ) وذلك أنّ إبراهيم عليهالسلام حين كسر الأصنام سجنه نمروذ ثمّ أخرجه ليحرقه بالنار. فقال لإبراهيم : من ربّك؟ (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) وإيّاه أعبد ، ومنه أسأل الخير. (قالَ) نمروذ : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ). قال له إبراهيم : أرني بيان الّذي تقول! فجاء برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر! وقال : كان هذا حيّا فأمتّه وأحييت هذا ، ولو شئت قتلته (قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ) الجبّار (الَّذِي كَفَرَ) بتوحيد الله. يقول بهت نمروذ الجبّار فلم يدر ما يردّ على إبراهيم ، ثمّ إنّ الله سلّط على نمروذ بعوضة ، بعد ما أنجا الله إبراهيم من النار ، فعضّت شفته فأهوى إليها فطارت في منخره ، فذهب ليأخذها فدخلت خياشيمه ، فذهب يستخرجها فدخلت دماغه ، فعذّبه الله بها أربعين يوما ثمّ مات منها ، وكان يضرب رأسه بالمطرقة ، فإذا ضرب رأسه سكنت البعوضة وإذا رفع عنها تحرّكت. فقال الله : «وعزّتي وجلالي لا تقوم الساعة حتّى آتي بها. يعني الشمس من قبل المغرب ، فيعلم من يرى ذلك أنّي أنا الله قادر على أن أفعل ما شئت». ثمّ قال ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لا يهديهم إلى الحجّة (١).
[٢ / ٧٥٣٦] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدّي قال : لمّا خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه ، فكلّمه وقال له : من ربّك؟ قال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ). قال نمرود : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) ، أنا أدخل أربعة نفر بيتا فلا يطعمون ولا يسقون حتّى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا وتركت اثنين فماتا. فعرف إبراهيم أنّه يفعل ذلك (٢) قال له : فإنّ ربّي الّذي يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب! فبهت الّذي كفر وقال : إنّ هذا إنسان مجنون فأخرجوه ، ألا ترون أنّه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها ، وإنّ النار لم تأكله ، وخشي أن يفتضح في قومه! (٣).
__________________
(١) تفسير مقاتل ١ : ٢١٥ ـ ٢١٦.
(٢) أي يفعل ذلك مغالطة تمويها على العامّة.
(٣) الدرّ ٢ : ٢٥ ـ ٢٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٩٨ ـ ٤٩٩ / ٢٦٣٦ ؛ الطبري ٣ : ٣٨ ـ ٣٩ / ٤٥٨٧ ، وزاد : أعني نمرود فكان يزعم أنّه ربّ وأمر بإبراهيم فأخرج ؛ ابن كثير ١ : ٣٢١ ؛ القرطبي ٣ : ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٤١ ؛ أبو الفتوح ٤ : ٤.