(وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع منطق الألسنة ، ويعلم مكنون القلوب. فالمؤمن الموصول به آمن في كنفه الفسيح ؛ لا يبخس ولا يظلم ولا يخيب.
***
ثمّ يمضي السياق ليصوّر في مشهد حسّي حيّ متحرّك ، طريق الهدى وطريق الضلال ؛ وكيف يكون الهدى وكيف يكون الضلال ، يصوّر كيف يأخذ الله بأيدي المؤمنين ليخرجهم من ظلمات الجهالات إلى النور ، بينما الطواغيت تأخذ بأيدي الّذين كفروا لتخرجهم من بصيص نور ، ربما كان قد أضاء لهم الدرب ، إلى غياهب الظلمات.
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ).
إنّ الإيمان نور ، نور واحد في طبيعته وحقيقته ، والكفر ظلمات ، ظلمات متعدّدة متنوّعة. ولكنّها كلّها ظلمات.
قال سيّد قطب : وما من حقيقة أصدق ولا أدقّ من التعبير عن الإيمان بالنور ، والتعبير عن الكفر بالظلمة. إنّ الإيمان نور يشرق به كيان المؤمن أوّل ما ينبثق في ضميره ، تشرق به روحه فتشفّ وتصفو وتشعّ من حوله نورا ووضاءة ووضوحا ، نور يكشف حقائق الأشياء وحقائق القيم وحقائق التصوّرات ، فيراها قلب المؤمن واضحة بغير غبش ، بيّنة بغير لبس ، مستقرّة في مواضعها بغير أرجحة ، فيأخذ منها ما يأخذ ، ويدع منها ما يدع ، في هوادة وطمأنينة وثقة وقرار ، نور يكشف الطريق إلى الناموس الكونيّ ، فيطابق المؤمن بين حركته وحركة الناموس الكونيّ من حوله ومن خلاله ، ويمضي في طريقه إلى الله هيّنا ليّنا ، لا يعتسف ولا يصطدم بالنتوءات ، ولا يخبط هنا وهناك ، فالطريق في فطرته مكشوف معروف!
وهو نور واحد يهدي إلى طريق واحد. فأمّا ضلال الكفر فظلمات شتّى منوّعة ، ظلمة الهوى والشهوة ، ظلمة الشرود والتيه ، ظلمة الكبر والطغيان ، ظلمة الضعف والذلّ ، ظلمة الرياء والنفاق ، ظلمة الطمع والسّعر (١) ، ظلمة الشكّ والقلق ، وظلمات شتّى لا يأخذها الحصر ، تتجمّع كلّها عند
__________________
(١) السعر : النهم ، الجوع الشديد.