والّذين آمنوا معه فنظروا إلى جالوت ، رجعوا أيضا وقالوا : (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) ، فرجع عنه أيضا ثلاثة آلاف وستّمائة وبضعة وثمانون ، وخلص في ثلاثمائة وبضعة عشر ، عدّة أهل بدر.
[٢ / ٧٣٢٩] وعن ابن عبّاس ، قال : لمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه ، قال الّذين شربوا : (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ)(١).
قال ابن جرير : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، ما روي عن ابن عبّاس وقاله السدّي ، وهو : أنّه جاوز النهر مع طالوت ، الّذي لم يشرب من النهر إلّا الغرفة والّذي شرب منه الكثير. ثمّ وقع التمييز بينهم بعد ذلك برؤية جالوت ولقائه ، وانخذل عنه ضعاف الإيمان ، وهم الّذين قالوا : (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) ، ومضى أهل البصيرة بأمر الله على بصائرهم ، وهم أهل الثبات على الإيمان ، فقالوا : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
فإن ظنّ ظانّ أنّه غير جائز أن يكون جاوز النهر مع طالوت غير أهل الإيمان الّذين ثبتوا معه على إيمانهم ولم يشربوا من النهر إلّا الغرفة ، لأنّ الله تعالى قال : (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) فكان معلوما أنّه لم يجاوز معه إلّا أهل الإيمان ، على ما روي به الخبر عن البراء بن عازب ، ولأنّ أهل الكفر لو كانوا جاوزوا النهر كما جاوزه أهل الإيمان ، لما خصّ الله بالذكر في ذلك أهل الإيمان!
فإنّ الأمر في ذلك بخلاف ما ظنّ ، وذلك أنّه غير مستنكر أن يكون الفريقان جاوزوا النهر ، وأخبر الله نبيّه محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم عن المؤمنين بالمجاوزة ، لأنّهم كانوا من الّذين جاوزوه مع ملكهم ، وترك ذكر من عداهم ، وإن كانوا قد جاوزوا النهر مع المؤمنين! والّذي يدلّ على صحّة ما قلنا في ذلك ، قول الله تعالى ذكره : (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) فأوجب الله ـ تعالى ذكره ـ أنّ الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا الله هم الّذين قالوا عند مجاورة النهر : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) دون غيرهم ، وأنّ الّذين لا يظنّون أنّهم ملاقوا الله هم الّذين قالوا : (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) وغير جائز أن يضاف الإيمان إلى من جحد أنّه ملاقي الله أو شكّ فيه (٢).
__________________
(١) المصدر.
(٢) الطبري ٢ : ٨٤٠ ـ ٨٤١.