لكنّهم من ذلك الوقت جعلت البلايا تنتابهم بين حين وآخر على تتابع دام وقتا طويلا. بحيث تشأموا بوجود التابوت بين أظهرهم ، فحاولوا إرجاعه إلى إسرائيل ، بغية التخلّص من شؤمه لهم.
فاجتمع كلّ أقطاب الفلسطينيّين وأجمعوا أمرهم إلى إرجاع التابوت ، قبل أن يميتهم جميعا (١).
وكانت مدّة بقاء التابوت في بلاد الفلسطينيّين سبعة أشهر. فدعا الفلسطينيّون الكهنة والعرّافين واستشاروهم في الأمر وكيف يرجعون التابوت؟ فأشاروا عليهم ـ بإلهام من الله ـ بأن يرجعوا إليهم التابوت في تبجيل واحترام ، ويرافقوه بهدايا وقرابين لإله بني إسرائيل ؛ قالوا : وأعطوا إله إسرائيل مجدا لعلّه يخفّف يده عنكم وعن آلهتكم وعن أرضكم ، ولا تغلظوا كما غلظ المصريّون وفرعون ، أليس على ما فعل بهم أطلقوهم فذهبوا؟! (٢).
فصنعوا عجلة وجعلوا التابوت على العجلة ، وإلى جنبه أمتعة الذهب ، فداء لما ارتكبوه من إثم.
وأخذوا بقرتين مرضعتين وربطوهما إلى العجلة ، وحبسوا ولديهما عندهم. وأرسلوهما في طريق «بيت شمس» فجعلتا تسيران في سكّة واحدة وتجأران من غير أن تميلا يمينا وشمالا ، وأقطاب الفلسطينيّين يسيرون وراءهما ، حتّى نهاية المسير.
فأتت العجلة إلى حقل «يهوشع» ووقفت هناك. فجاء أهل البلد وأخذوا الصندوق الّذي فيه أمتعة الذهب ، وأصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح في ذلك اليوم. ولمّا رأى أقطاب الفلسطينيّين ذلك ، رجعوا من يومهم.
قلت : كلّ ذلك ليدلّ على أنّ عود التابوت إلى إسرائيل لم يكن عن تدبير منهم ولا من غيرهم ، وإنّما هو صنيع الملائكة (القوى النافذة لتمشية إرادة الله في هذا الكون) إذ قذف في قلوبهم (الفلسطينيّين) الرعب وألجأهم إلى عودة التابوت ، عودة رغم أنفهم وفي احتفال وحفاوة ومهرجان.
وهذا معنى قوله تعالى : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ) آية ملك طالوت وأنّه من فضله تعالى واصطفائه بالذات (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) من غير أن يكون لكم يد في عودته (فِيهِ سَكِينَةٌ) ما يسكن إليه قلوبكم
__________________
(١) الأصحاح الخامس من سفر صموئيل الأوّل : ١١ ـ ١٢.
(٢) الأصحاح السادس : ٦ ـ ٧.