وتطمئنّ بعنايته تعالى (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) آثارهما المتبرّك بها (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) القدرة الإلهيّة الكامنة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بمواضع قدرته تعالى وعنايته بعباده المؤمنين.
وبذلك أراد صموئيل أن يتحدّاهم بمعجزة تدلّ على أنّ الله تعالى هو الّذي اختار لهم شاول ملكا ، لمكان مهابته وسطوته في العلم والجسم. فجعل لهم عودة التابوت بتلك الصورة العجيبة غير المترقّبة آية لهم. فقد أرجع إليهم التابوت ـ بعد سبعة أشهر ـ بيسر وسهولة من غير قتال ولا جدال.
نعم هنا قد يبدو تخالفا بين القرآن ونصّ التوراة ، حيث ظاهر التعبير في القرآن : أنّ عودة التابوت كانت بعد تمليك شاول. على خلاف ظاهر سفر صموئيل : أنّه كان قبل تمليكه.
ويجوز أن يكون سرد القصّة في السفر جاء على غير ترتيبها في الذكر ، وهو كثير في كتابهم. وكثير من أحداث تذكرها التوراة ، لتدلّ على أنّها أحداث وقعت قريبة بعضها مع البعض ، وأمّا أنّها على ترتيب وقوعها فلا ، الأمر الّذي لا يخفى على المراجع.
والحمل في قوله تعالى : (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) بمعنى الترحيل ، كما في قوله تعالى : (قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ)(١) أي ما أساعدكم على الرحيل ، لأنّ الراحلة تحمل راكبها ، ولذلك تسمّى حمولة.
فمعنى حمل الملائكة التابوت هو تسييرهم بإذن الله البقرتين السائرتين بالعجلة الّتي عليها التابوت إلى محلّة بني إسرائيل ، سيرا بلا وقفة في اتّجاه مستقيم. من غير أن يسبق لهما إلف بالسير إلى تلك الجهة. وما ذلك إلّا بعناية من الله ولطفه بعباده في تيسير الأمور.
فقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إشاره إلى جميع الأحوال والأوضاع الّتي مرّت خلال عودة التابوت ، بلا تعب ولا قتال. وفيما يشتمل عليه التابوت من أسباب السكينة والبركات ، وفي مجيئه من غير سائق ولا إلف سابق ، إنّ كلّ ذلك لدليل على أنّ هناك يدا وراء الحادث ، خارج إرادة الناس ، حيث شاء الله.
__________________
(١) التوبة ٩ : ٩٢.