قال : فضاعف الله صدقته ألفي ألف ضعف ، فذلك قوله تعالى : (أَضْعافاً كَثِيرَةً) ، فرجع أبو الدحداح إلى حديقته فوجد أمّ الدحداح والصبية في الحديقة الّتي جعلها صدقة ، فقام على باب الحديقة وتحرّج أن يدخلها ، وقال : يا أمّ الدحداح! قالت : لبّيك! قال : إنّي جعلت حديقتي هذه صدقة ، واشترطت مثلها في الجنّة ، وأمّ الدحداح والصبية معي! قالت : بارك الله فيما اشتريت ، فخرجوا منها وسلّم الحديقة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال مقاتل بن سليمان : أنّ أبا الدحداح لمّا أتى باب الحديقة صاح :
يا أمّ دحداح هداك الهادي |
|
إلى سبيل القصد والرشاد |
بيني من الحائط لي بالوادي |
|
فقد مضى قرضا إلى التناد |
أقرضته الله على اعتماد |
|
طوعا بلا منّ ولا ارتداد |
إلّا رجاء الضعف في الميعاد |
|
فودّعي الحائط وداع العاد |
واستيقني وفّقت للرشاد |
|
فارتحلي بالنفس والأولاد |
إنّ التّقى والبرّ خير زاد |
|
قدّمه المرء إلى المعاد |
فأجابته : ربح بيعك ، والله لو لا شرطك ما كان لك منه إلّا مالك ، وانشأت تقول :
مثلك أحيا (١) ما لديه ونصح |
|
وأشهر الحقّ إذا الحقّ وضح |
قد منح الله عيالي ما صلح |
|
بالعجوة السوداء والزهر البلح |
والله أولى بالّذي كان منح |
|
مع واجب الحقّ ومع ما قد سرح |
والعبد يسعى وله ما قد كدح |
|
طول اللّيالي وعليه ما اجترح |
ثمّ خرجت وجعلت تنفض ما في أكمام الصبيان ، وتخرج ما في أفواههم ، ثمّ خرجوا وسلّموا الحديقة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال النبيّ : «كم من نخلة لأبي الدحداح مدلّى عذوقها في الجنّة لو اجتمع على عذق منها أهل منّي أن يقلّوه ما أقلّوه» (٢).
__________________
(١) وفي رواية الثعلبي : أجدى ما لديه ...
(٢) تفسير مقاتل ١ : ٢٠٤ و ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ / ١٨٠ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٤٤ ـ ٣٤٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ـ