فرارا منك. فأمهلهم الله حتّى خرجوا من ديارهم وهي قرية تسمّى دامردان فلمّا خرجوا قال الله لهم : (مُوتُوا) عبرة لهم! فماتوا جميعا وماتت دوابّهم كموت رجل واحد ثمانية أيّام ، فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم حتّى حظروا عليهم وأروحت أجسادهم. (ثُمَ) إنّ الله (أَحْياهُمْ) بعد ثمانية أيّام وبهنّ نتن شديد. ثمّ إنّ حز قيل بكى إلى ربّه فقال : اللهمّ ربّ إبراهيم وإله موسى لا تكن على عبادك الظلمة كأنفسهم! واذكر فيهم ميثاق الأوّلين فسمع الله فأمره أن يدعوهم بكلمة واحدة فقاموا كقيام رجل واحد كان وسنانا (١) فاستيقظ فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) ربّ هذه النعمة حين أحياهم بعد ما أراهم عقوبته ثمّ أمرهم أن يرجعوا إلى عدوّهم فيجاهدوا فذلك قوله : (مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) أنّه أحياهم بعد ما أماتهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)(٢).
***
قلت : تلك أهازيج القوم حيكت على غير منوال! الأمر الّذي جعل بعضهم يراه مثلا ضربه الله إيقاظا للناس كسائر الأمثال المضروبة في القرآن.
[٢ / ٧٢٦١] أخرج ابن أبي حاتم بالإسناد إلى ابن جريج ، قال : سألت عطاء عن هذه الآية؟ قال : مثل (٣).
ولعلّ يدا إسرائيليّة عملت في حياكة ذلك النسيج المتخبّط :
[٢ / ٧٢٦٢] كما أخرج ابن جرير عن أشعث بن أسلم البصري قال : بينا عمر يصلّي ويهوديّان خلفه! وكان عمر إذا أراد أن يركع خوّى (٤) فقال أحدهما لصاحبه : أهو هو؟ فلمّا انفتل عمر قال : رأيت قول أحدكما لصاحبه : أهو هو! قالا : إنّا نجده في كتابنا قرنا من حديد يعطى ما يعطى حز قيل الّذي أحيا الموتى بإذن الله! فقال عمر : ما نجد في كتاب الله حز قيل ولا أحيا الموتى بإذن الله إلّا عيسى! قالا : أما تجد في كتاب الله : (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)(٥)؟ فقال عمر : بلى. قالا : وأمّا إحياء
__________________
(١) الوسنان : المغشي عليه من نتن البئر ونحوه.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.
(٣) ابن أبي حاتم ٢ : ٤٥٥ / ٢٤١١ ؛ ابن كثير ١ : ٣٠٥.
(٤) أي جافا بطنه عن الأرض ورفعها.
(٥) النساء ٤ : ١٦٤.