مالك في الآية قال : كانت قرية يقال لها داوردان قريب من واسط ، فوقع فيهم الطاعون ، فأقامت طائفة وهربت طائفة ، فوقع الموت فيمن أقام وسلم الّذين أجلوا ، فلمّا ارتفع الطاعون رجعوا إليهم ، فقال الّذين بقوا : إخواننا كانوا أحزم منّا لو صنعنا كما صنعوا سلمنا ، ولئن بقينا إلى أن يقع الطاعون لنصنعنّ كما صنعوا.
فوقع الطاعون من قابل فخرجوا جميعا ، الّذين كانوا أجلوا والّذين كانوا أقاموا وهم بضعة وثلاثون ألفا ، فساروا حتّى أتوا واديا فسيحا فنزلوا فيه وهو بين جبلين ، فبعث الله إليهم ملكين ، ملكا بأعلى الوادي وملكا بأسفله ، فناداهم : أن موتوا فماتوا. فمكثوا ما شاء الله ، ثمّ مرّ بهم نبيّ يقال له حز قيل ، فرأى تلك العظام فوقف متعجّبا لكثرة ما يرى منهم ، فأوحى الله إليه أن ناد أيّتها العظام إنّ الله يأمرك أن تجتمعي ، فاجتمعت العظام من أعلى الوادي وأدناه حتّى التزق بعضها ببعض كلّ عظم من جسد التزق بجسده ، فصارت أجسادا من عظام لا لحم ولا دم ، ثمّ أوحى الله إليه أن ناد أيّتها العظام إنّ الله يأمرك أن تكتسي لحما فاكتست لحما ، ثمّ أوحى الله إليه أن ناد أيّتها الأجساد إنّ الله يأمرك أن تقومي فبعثوا أحياء. فرجعوا إلى بلادهم فأقاموا لا يلبسون ثوبا إلّا كان عليهم كفنا دسما ، يعرفهم أهل ذلك الزمان أنّهم قد ماتوا ، ثمّ أقاموا حتّى أتت عليهم آجالهم بعد ذلك. قال أسباط : وقال منصور عن مجاهد : كان كلامهم حين بعثوا أن قالوا : سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك لا إله إلّا أنت ...! (١).
[٢ / ٧٢٦٠] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ) من بني إسرائيل (أُلُوفٌ) ثمانية آلاف (حَذَرَ الْمَوْتِ) يعني حذر القتل وذلك أنّ نبيّهم حز قيل بن بوزي ، وهو ذو الكفل ابن بوزي ، ندبهم إلى قتال عدوّهم ، فأبوا عليه جبنا من عدوّهم واعتلّوا. فقالوا : إنّ الأرض الّتي نبعث إليها لنقاتل عدوّنا هي أرض يكون فيها الطاعون فأرسل الله عليهم الموت فلمّا رأوا أنّ الموت كثر فيهم خرجوا من ديارهم فرارا من الموت. فلمّا رأى ذلك حز قيل قال : اللهمّ ربّ يعقوب وإله موسى قد ترى معصية عبادك ، فأرهم آية في أنفسهم حتّى يعلموا أنّهم لن يستطيعوا
__________________
(١) الدرّ ١ : ٧٤١ ؛ الطبري ٢ : ٧٩٤ ـ ٧٩٥ / ٤٣٦٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٥٧ ـ ٤٥٨ / ٢٤٢٠ ـ ٢٤٢١ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٣٢٣ ؛ البغوي ١ : ٣٢٨ ، باختصار وعدم ذكر الراوي ؛ الثعلبي ٢ : ٢٠٢.