بالسكوت ونهينا عن الكلام (١).
قال ابن كثير : وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء حيث ثبت عندهم أنّ تحريم الكلام في الصلاة كان بمكّة قبل الهجرة إلى المدينة وبعد الهجرة إلى أرض الحبشة ، كما دلّ على ذلك حديث ابن مسعود الّذي في الصحيح :
[٢ / ٧٠٧٢] قال : كنّا نسلّم على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل أن نهاجر إلى الحبشة وهو في الصلاة فيردّ علينا! قال فلمّا قدمنا سلّمت عليه فلم يردّ عليّ ، فأخذني ما قرب وما بعد ، فلمّا سلّم قال : «إنيّ لم أردّ عليك إلّا أنّي كنت في الصلاة وإنّ الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإنّ ممّا أحدث أن لا تكلّموا في الصلاة» (٢).
وقد كان ابن مسعود ممّن أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة ثمّ قدم منها إلى مكّة مع من قدم ، فهاجر إلى المدينة وهذه الآية : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) مدنيّة بلا خلاف! فقال قائلون : إنّما أراد زيد بن أرقم بقوله : كان الرجل يكلّم أخاه في حاجته في الصلاة الإخبار عن جنس الكلام ، واستدلّ على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها ، والله أعلم. وقال آخرون : إنّما أراد أنّ ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها ، ويكون على ذلك فقد أبيح مرّتين وحرّم مرّتين كما اختار ذلك قوم من أصحابنا وغيرهم والأوّل أظهر والله أعلم (٣).
[٢ / ٧٠٧٣] وأخرج البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجة عن ابن مسعود قال : كنّا نسلّم على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو في الصلاة فيردّ علينا ، فلمّا رجعنا من عند النجاشي سلّمنا عليه فلم
__________________
(١) الدرّ ١ : ٧٣٠ ؛ مسند أحمد ٤ : ٣٦٨ ؛ سنن سعيد ٣ : ٩٢٣ / ٤٠٨ ؛ البخاري ٥ : ١٦٢ ، كتاب التفسير ؛ مسلم ٢ : ٧١ ، كتاب الصلاة ؛ أبو داوود ١ : ٢١٥ / ٩٤٩ ، باب ١٧٨ ؛ الترمذي ١ : ٢٥٢ / ٤٠٣ ، باب ٢٩٥ ؛ النسائي ١ : ١٩٨ / ٥٥٧ ، باب ١١١ ؛ الطبري ٢ : ٧٧٢ / ٤٣٠١ ؛ ابن خزيمة ٢ : ٣٤ / ٨٥٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٤٩ / ٢٣٧٧ ؛ ابن حبّان ٦ : ١٧ ـ ١٨ / ٢٢٤٥ ؛ الكبير ٥ : ١٩٣ / ٥٠٦٢ ؛ البيهقي ٢ : ٢٤٨ ؛ الثعلبي ٢ : ١٩٩ ؛ البغوي ١ : ٣٢٥ / ٢٧٩ ؛ القرطبي ٣ : ٢١٤ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٢١.
(٢) البخاري ٤ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ؛ مسلم ٢ : ٧١. وسيأتي الحديث.
(٣) ابن كثير ١ : ٣٠٢.