ومن ثمّ جاء التعقيب بقوله : (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها). فكأنّ هذا التعليل بيان للمناسبة القائمة بين مناحي التشريعات الإسلامية كافّة ، فلا تكلّف المرأة تكليفا بلا مقابل ، ولا الرجل بما يشقّ عليه. وهذه هي الموازنة القائمة بين مختلف أحكام الشريعة (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ)(١). (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢).
فكان قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) إثر ذلك تفريعا على ذلك الأصل العامّ ، وكانت صغرى لتلك الكلّية الكبرى ، فجاء الكلام مبرهنا بدليل الحكمة وشريعة العقل الغرّاء.
[٢ / ٦٨١٨] ويؤيّده ما ورد في حديث محمّد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتّى تضع حملها ، وإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارّها ، إلّا أن يجد من هو أرخص أجرا منها ، فإن هي رضيت بذلك الأجر ، فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه» (٣).
قوله عليهالسلام : ولا يضارّها ، إشارة إلى الآية الكريمة.
وفي رواية أخرى جاء التصريح بذلك :
[٢ / ٦٨١٩] روى الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الحبلى المطلّقة ينفق عليها حتّى تضع حملها ، وهي أحقّ بولدها حتّى ترضعه بما تقبله امرأة أخرى ، إن الله يقول : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)» (٤).
كلام عن حقّ الحضانة
هناك إلى جنب حقّ الرضاعة ، الّذي هو للأمّ طول الحولين ، حقّ آخر هو حقّ الحضانة : كفالة الطفل حتّى يبلغ أشدّه ، فهل هو للأب خاصّة أم مشترك بينهما أم فيه تفصيل؟
اختلفت أنظار الفقهاء في ذلك :
قال الشيخ ـ في الخلاف ـ : إذا بانت المرأة من الرجل ولها منه ولد ، فإن كان طفلا لا يميّز فهي
__________________
(١) غافر ٤٠ : ٣١.
(٢) الحجّ ٢٢ : ٧٨.
(٣) الوسائل ٢١ : ٤٧١ / ٢ ، باب ٨١ (أحكام الأولاد).
(٤) الوسائل ٢١ : ٤٧٢ / ٥.