قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الأثري الجامع [ ج ٦ ]

التفسير الأثري الجامع [ ج ٦ ]

56/559
*

وقفة عند آية المضارّة

قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)

فسّرت بوجهين : لا يضارّ أحد الوالدين بسبب ولدهما ، لا الأمّ بالتضايق عليها باستلاب الولد منها ولا الأب بتكليفه الإنفاق فوق المستطاع.

وهذا هو الشائع بين المفسّرين ورجّحناه لدلائل نذكرها.

والوجه الثاني : لا يضرّان بالولد ، لا الأمّ بترك إرضاعه ، ولا الأب بالإمساك عن الإنفاق أو باستلابه من الأمّ.

فالباء على الأوّل سببيّة ، وكلمة «يضارّ» بالبناء للمفعول أي لا يضارر أحد الوالدين بسبب الولد ، فلا يجعل الولد ذريعة للإضرار بأحدهما.

وعلى الثاني فالباء صلة ، و «يضارّ» بالبناء للفاعل أي لا تضارر الأمّ ولدها بالامتناع من الإرضاع ، ولا الأب بأن لا ينفق أو يستلبه من أمّه.

غير أنّ لفظة «يضارّ» ـ إذا أريد بها البناء للفاعل ، تتعدّى إلى المفعول به بذاتها من غير حاجة إلى تعديتها بالباء ، قال تعالى : (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ)(١).

وقوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ)(٢). أي لا يضارر كاتب ولا شهيد. وهكذا هنا ، كان الأنسب هو فرض (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ ...) أنّه بالبناء للمفعول ، ولا موجب لفرضه مبنيّا للفاعل ، ليستدعي جعل الباء زائدة (٣).

على أنّ مناسبة السياق أيضا تقتضي البناء للمفعول لتكون الباء سببيّة. ذلك أنّه تعالى فرض أوّلا على الوالدات إرضاع أولادهنّ حولين كاملين. وعقّبه بتكليف المولود له القيام برزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف ـ لأنّ مفروض الكلام هي حالة فراق الزوجين ـ فلا يكون إرضاعها للولد بلا مقابل ، وإلّا كان تكليفها بالإرضاع شاقّا وحرجا عليها ؛ كما أنّه ليس لها مطالبة الأب بأكثر من القدر المعروف. وإلّا كان تكليفا شاقّا عليه.

__________________

(١) الطلاق ٦٥ : ٦.

(٢) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(٣) كما صرّح بزيادتها صاحب المجمع ٢ : ١١٤.