وتعالى منهم القبول ، علم أنّهم لا يطيقونها ، فلمّا أن صار إلى ساق العرش كرّر عليه الكلام ليفهمه ، فقال : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) فأجاب صلىاللهعليهوآلهوسلم مجيبا عنه وعن أمّته : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فقال ـ جلّ ذكره ـ : لهم الجنّة والمغفرة على أن فعلوا ذلك. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أمّا إذا ما فعلت ذلك بنا (غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) يعني المرجع في الآخرة. فأجابه الله ـ جلّ ثناؤه ـ : وقد فعلت ذلك بك وبأمّتك. ثمّ قال ـ عزوجل ـ : أمّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها ، وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها ، وقبلتها أمّتك ، فحقّ عليّ أن أرفعها عن أمّتك ، وقال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ) من خير (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من شرّ.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا سمع ذلك : أمّا إذا فعلت ذلك بي وبأمّتي فزدني! قال : سل ، قال : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) قال الله ـ عزوجل ـ : لست أؤاخذك بالنسيان والخطأ لكرامتك عليّ ، وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكّروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت ذلك عن أمّتك. وكانت الأمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه ، وقد رفعت ذلك عن أمّتك لكرامتك عليّ.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا أعطيتني ذلك فزدني! فقال الله ـ تعالى ـ له : سل. قال : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) يعني بالإصر : الشدائد الّتي كانت على من كان قبلنا ، فأجابه الله إلى ذلك ، فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أمّتك الآصار الّتي كانت على الأمم السالفة ؛ كنت لا أقبل صلاتهم إلّا في بقاع معلومة من الأرض اخترتها لهم وإن بعدت ، وقد جعلت الأرض كلّها لأمّتك مسجدا وطهورا. فهذه من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك ، فرفعتها عن أمّتك.
وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة ، قرّضوه من أجسادهم!! وقد جعلت الماء لأمّتك طهورا فهذا من الآصار الّتي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمّتك.
وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته فرجع مسرورا ، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا ، وقد جعلت قربان أمّتك في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة ، ومن لم