الكتابة والشهادة ، فالآن يوجب لهم الحماية والرعاية ، ليتوازن الحقّ والتكليف في أداء الوظائف العامّة : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) لا يقع ضرر على كاتب أو شاهد ، بسبب أدائه لواجبه الّذي فرضه الله عليه.
(وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) وإن وقع ، فإنّه يكون خروجا عن شريعة الحقّ ومخالفة لمنهج العدل المستقيم.
وهذا احتياط لا بدّ منه ، لأنّ الكتّاب والشهود معرّضون لسخط أحد الفريقين المتعاقدين في أحيان كثيرة ، فلابدّ من تمتّعهم بالضمانات الّتي تطمئنّهم على أنفسهم وتشجّعهم على أداء واجبهم بالذمّة والأمانة والنشاط في أداء الواجبات ، والحيدة في جميع الأحوال.
إذن (وَاتَّقُوا اللهَ) في رعاية الواجب لحقوق الآخرين ، فلا إرعاب ولا إرهاب ممّا يوجب الخروج عن حدود ما فرض الله.
(وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) معالم دينكم ويبيّن لكم الطريقة المثلى (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا يغفل عن شيء من مصالحكم وما فيه صلاحكم في الحياة ، والله بكلّ شيء محيط ، ولا يعزب عن علمه شيء.
وبعد فتيسيرا للتعامل ، مع ضمان الوفاء ، رخّص الشارع في التعاقد الشّفوي بلا كتابة ، مع تسليم رهن مقبوض للدائن ضمانا للدين : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ).
وهنا يستجيش الشارع ضمائر المؤمنين للأمانة والوفاء بدافع من تقوى الله ، (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) اعتمده وجعل من إيمانه وثيقة لأماناته ، (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) والمدين مؤتمن على الدين ، والدائن مؤتمن على الرهن ، وكلاهما مدعوّ لأداء ما اؤتمن عليه ، لموضع تقوى الله ربّه ، الّذي هو حاضره وناظره ، وهو سيّده ومولاه.
كما وبدافع من التقوى من الله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) : زائف ضميره وقد عاكس فطرته الذاتيّة الباعثة على الطهارة والنزاهة عن الأدناس ، ويعقّب على ذلك بتهديد ملفوف ، فليس هناك خاف على الله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وهو يجزي عليه بمقتضى علمه بالأحوال الكامنة وراء الأعمال. ذلك أنّ الله بيده مقاليد السماوات والأرض ، وكلّ ما هو كائن في عالم الوجود : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)