يخشى أن يكون قد توانا في تبليغ رسالة الله وقصّر في الأداء. فجاءت الآية لتطمئنّه على وفائه في الأداء واستيفاء التبليغ ، غير أنّ الموفى إليهم قلوبهم صلد لا حياة فيها ولا إحساس (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ)(١). أو كما قالوا لنبيّهم عن خبث ولؤم : (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ)(٢).
ومن ثمّ جاء ـ خطابا للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)(٣). أي لا عليك أن لم يؤمنوا ، لأنّك قد ذكّرت وبلّغت وأوفيت ، أمّا التأثير فشأنهم هم ، ومدى استحقاقهم لعناية الله لهم ، وقد حرموها.
***
والآية ـ في مفتتحها ـ جاءت لهذا الغرض ، فلا تذهب نفسه صلىاللهعليهوآلهوسلم حسرات عليهم على أن لم يؤمنوا بهذا الحديث ، على وضوحه وجلاء بيانه.
فلا يضيق صدره بهم وهو يدعوهم ويعطف عليهم. فليرتقب إذن الله لقلوبهم في الهدى وتوفيقهم إليه بمعرفته حيث يشاء ، حيث تواجدت شرائطه واستعدّوا للقبول والاستسلام. (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
فلتفسح لهم صدرك ، ولتفض عليهم سماحتك ، ولتبذل لهم الخير والعون ما احتاجوا إليه منك ورغبوا فيك ، وأمرهم إلى الله. ولا عتبى عليك.
وبعد تقرير هذا الأصل أي السماحة في الدين والرفق بحال المدعوّين ومداراتهم في الهداية والتوجيه الدينيّ ، عطف الكلام عن واقع الإنفاق في سبيله تعالى ، وإنّه عائدة تعود إليهم بعوائدها في نهاية المطاف : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) تعود منافعها ، ولكن على شريطة أن يكون إنفاقا لوجه الله ، الأمر الّذي هو من شأن المؤمن الصادق الإيمان : (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) أي هذا شأن المؤمن وخصّيصته ، فإنّه بذاته يجعل مساعيه في الحياة ، كلّها في سبيل مرضاته تعالى. ومن ثمّ (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) في توفية الجزاء.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٨٨.
(٢) هود ١١ : ٩١.
(٣) الغاشية ٨٨ : ٢٢.