[٢ / ٧٥٦٨] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) يعني ساقطة على سقوفها ، وذلك أنّ بخت نصّر سبا أهل بابل! وفيهم عزير بن شرحيا وكان من علماء بني إسرائيل ، ارتحل ذات يوم على حمار أقمر ، فمرّ على قرية تدعى سابور على شاطيء دجلة بين واسط والمدائن ، وكان هذا بعد ما رفع عيسى بن مريم! فربط حماره في ظلّ شجرة ، ثمّ طاف في القرية فلم ير فيها ساكنا ، وعامّة شجرها حامل ، فأصاب من الفاكهة والعنب والتين ، ثمّ رجع إلى حماره فجلس يأكل من الفاكهة ، وعصر من العنب فشرب منه ، فجعل فضل الفاكهة في سلّة ، وفضل العصير في الزقّ ، فلمّا رأى خراب القرية وهلاك أهلها (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ) يعني أهل هذه القرية (بَعْدَ مَوْتِها) بعد هلاكهم. لم يشكّ في البعث ولكنّه أحبّ أن يريه الله كيف يبعث الموتى ، كما سأل إبراهيم ربّه (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) فلمّا تكلّم بذلك عزير ، أراد الله أن يعلّمه كيف يحييها بعد موتها (فَأَماتَهُ اللهُ) وأمات حماره (مِائَةَ عامٍ) فحيى والفاكهة والعصير موضوع عنده (ثُمَّ بَعَثَهُ) الله في آخر النهار بعد مئة عام. لم يتغيّر طعامه وشرابه ، فنودي في السماء : (قالَ كَمْ لَبِثْتَ) يا عزير ميّتا؟ (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً) فالتفت فرأى الشمس فقال : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ) له (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) ميّتا ، ثمّ أخبره ليعتبر ، فقال سبحانه : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ) يعني الفاكهة في السلّة (وَشَرابِكَ) يعني العصير (لَمْ يَتَسَنَّهْ) يقول : لم يتغيّر طعمه بعد مئة عام ، نظيرها في سورة محمّد :
(مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ)(١) فقال : سبحان الله! كيف لم يتغيّر طعمه؟! ونظر إلى حماره ، وقد ابيضّت عظامه وبليت وتفرّقت أوصاله ، فنودي من السماء : أيّتها العظام البالية اجتمعي فإنّ الله منزل عليك روحا ، فسعت العظام بعضها إلى بعض ، الذراع إلى العضد ، والعضد إلى المنكبين والكتف ، وسعت الساق إلى الركبتين والركبتان إلى الفخذين ، والفخذان إلى الوركين والتصق الوركان بالظهر ، ثمّ وقع الرأس على الجسد وعزير ينظر ، ثمّ ألقى على العظام العروق والعصب ، ثمّ ردّ عليه الشعر ثمّ نفخ في منخره الروح. فقام الحمار ينهق عند رأسه. فأعلم كيف يبعث أهل هذه
__________________
ـ الثعلبي ٢ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، روى بعضه ، عن قتادة عن كعب ، وعن الحسن ومقاتل وجويبر عن الضحّاك عن ابن عبّاس وعبد الله بن إسماعيل السدّي عن أبيه عن مجاهد عن ابن عبّاس ؛ ابن عساكر ٤٠ : ٣٢١ ـ ٣٢٤ ، الترجمة ٤٦٩٦.
(١) محمّد ٤٧ : ١٥.