وأخرج قصعة معه ، فاعتصر من العنب الّذي كان معه في القصعة ، ثمّ أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتلّ ليأكله ، ثمّ استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط ، فنظر سقف تلك البيوت ورأى منها ما فيها وهي قائمة على عرشها وقد باد أهلها ، ورأى عظاما بالية فقال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها!) فلم يشكّ أنّ الله يحييها ولكن قالها تعجّبا.
فبعث الله ملك الموت فقبض روحه ، فأماته الله مئة عام ، فلمّا أتت عليه مئة عام وكان فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث ، فبعث الله إلى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل به ، وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي الله الموتى ، ثمّ ركّب خلقه وهو ينظر ، ثمّ كسا عظامه اللحم والشعر والجلد ، ثمّ نفخ فيه الروح ، كلّ ذلك يرى ويعقل ، فاستوى جالسا فقال له الملك : كم لبثت؟ قال : لبثت يوما ، وذلك أنّه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة ، وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب. فقال : أو بعض يوم ، ولم يتمّ لي يوم. فقال له الملك : بل لبثت مئة عام ، فانظر إلى طعامك وشرابك ، يعني الطعام الخبز اليابس ، وشرابه العصير الّذي كان اعتصر في القصعة ، فإذا هما على حالهما لم يتغيّر العصير والخبز اليابس ، فذلك قوله : (لَمْ يَتَسَنَّهْ) يعني لم يتغيّر ، وكذلك التين والعنب غضّ لم يتغيّر عن حاله ، فكأنّه أنكر في قلبه!
فقال له الملك : أنكرت ما قلت لك؟! انظر إلى حمارك. فنظر فإذا حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة ، فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كلّ ناحية حتّى ركّبه الملك ، وعزير ينظر إليه ، ثمّ ألبسها العروق والعصب ، ثمّ كساها اللحم ، ثمّ أنبت عليها الجلد والشعر ، ثمّ نفخ فيه الملك ، فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا ، فذلك قوله : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) يعني : انظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها ، حتّى إذا صارت عظاما مصوّرا حمارا بلا لحم ، ثمّ انظر كيف نكسوها لحما (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) من إحياء الموتى وغيره.
قال : فركب حماره حتّى أتى محلّته فأنكره الناس ، وأنكر الناس ، وأنكر منازله ، فانطلق على وهم منه حتّى أتى منزله ، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مئة وعشرون سنة كانت أمة لهم ، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته ، فقال لها عزير : يا هذه أهذا