[٢ / ٧٥٦٦] وأخرج عن عبد الصمد بن معقل أنّه سمع وهب بن منبّه يقول : أوحى الله إلى إرميا وهو بأرض مصر أن ألحق بأرض إيليا ، فإنّ هذه ليست لك بأرض مقام ، فركب حماره ، حتّى إذا كان ببعض الطريق ، ومعه سلّة من عنب وتين ، وكان معه سقاء جديد ، فملأه ماء ، فلمّا بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى والمساجد ، ونظر إلى خراب لا يوصف ، ورأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم ، قال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) وسار حتّى تبوّأ منها منزلا ، فربط حماره بحبل جديد. وعلّق سقاءه ، وألقى الله عليه السبات ، فلمّا نام نزع الله روحه مئة عام ، فلمّا مرّت من المئة سبعون عاما ، أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس عظيم يقال له كورش ، فقال : إنّ الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيليا وأرضها ، حتّى تعود أعمر ما كانت ، فقال الملك : أنظرني ثلاثة أيّام حتّى أتأهّب لهذا العمل ولما يصلحه من أداء العمل ، فأنظره ثلاثة أيّام ، فانتدب ثلاثمائة قهرمان ، ودفع إلى كلّ قهرمان ألف عامل ، وما يصلحه من أداة العمل ، فسار إليها قهارمته ، ومعهم ثلاثمائة ألف عامل ، فلمّا وقعوا في العمل ردّ الله روح الحياة في عين إرميا ، وأخّر جسده ميتا ، فنظر إلى إيليا وما حولها من القرى والمساجد والأنهار والحروث تعمل وتعمر وتجدّد ، حتّى صارتا كما كانت! وبعد ثلاثين سنة تمام المئة ، ردّ إليه الروح ، فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنّه ، ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب ، ونظر إلى الرمّة (١) في عنق الحمار لم تتغيّر ، جديدة ، وقد أتى على ذلك ريح مئة عام وبرد مئة عام وحرّ مئة عام ، لم تتغيّر ولم تنتقص شيئا ، وقد نحل جسم إرميا من البلى ، فأنبت الله له لحما جديدا ، ونشز عظامه وهو ينظر ، فقال له الله : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢).
[٢ / ٧٥٦٧] وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طرق عن ابن عبّاس وكعب والحسن ووهب ـ يزيد بعضهم على بعض ـ أنّ عزيرا كان عبدا صالحا حكيما ، خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها ، فلمّا انصرف انتهى إلى خربة حين قامت الظهيرة أصابه الحرّ ، فدخل الخربة وهو على حمار له ، فنزل عن حماره ومعه سلّة فيها تين وسلّة فيها عنب ، فنزل في ظلّ تلك الخربة.
__________________
(١) الرّمّة : القطعة من الحبل البالي.
(٢) الطبري ٣ : ٤٩ ـ ٥٠ / ٤٦١٧.