قال سيّد قطب : لو كان الأمر كذلك ـ كما يقول بعض المفسّرين : إنّ عظامه هي الّتي تعرّت من اللحم ـ للفت هذا نظره عند ما استيقظ ، ووخز حسّه كذلك ، ولمّا كانت إجابته : (لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
قال : لذلك نرجّح أنّ الحمار هو الّذي تعرّت عظامه وتفسّخت. ثمّ كانت الآية هي ضمّ هذه العظام بعضها إلى بعض وكسوتها باللحم وردّها إلى الحياة ، على مرأى من صاحبه الّذي لم يمسّه البلى ، ولم يصب طعامه ولا شرابه العفن. ليكون هذا التباين في المصائر ، والجميع في مكان واحد ، ومعرّضون لمؤثّرات جوّيّة وبيئيّة واحدة ، آية أخرى على القدرة الّتي لا يعجزها شيء ، والّتي تتصرّف مطلقة من كلّ قيد ، وليدرك الرجل كيف يحيي هذه الله بعد موتها! (١)
***
[٢ / ٧٥٥٩] أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طرق عن ابن عبّاس ، قال : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ ...) يعني انظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها ، حتّى إذا صارت عظاما مصوّرا حمارا بلا لحم ، ثمّ انظر كيف نكسوها لحما (٢).
[٢ / ٧٥٦٠] وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) قال : لمّا قام نظر إلى مفاصله متفرّقة ، فمضى كلّ مفصل إلى صاحبه ، فلمّا اتّصلت المفاصل كسيت لحما.
[٢ / ٧٥٦١] وعن السدّي : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) وقد هلكت وبليت عظامه.
[٢ / ٧٥٦٢] وعن مجاهد ، قال : فنظر إلى حماره حين يحييه الله (٣).
[٢ / ٧٥٦٣] وأخرج أبو إسحاق الثعلبي عن وهب ، قال : ليس في الجنّة كلب ولا حمار ، إلّا كلب أصحاب الكهف وحمار إرميا ، الّذي أماته الله مئة عام ، (٤) إن أرجعنا الوصف إلى الحمار!؟
[٢ / ٧٥٦٤] وهكذا ذكر مقاتل بن سليمان : أنّ الّذي بليت عظامه فجعل ينظر إليها ، هو الحمار (٥).
__________________
(١) في ظلال القرآن ١ : ٤٣٩.
(٢) الدرّ ٢ : ٢٧ ـ ٢٩ ؛ القرطبي ٣ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ؛ ابن عساكر ٤٠ : ٣٢١ ـ ٣٢٤ / ٤٦٩٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ؛ البغوي ١ : ٣٥٦ ؛ أبو الفتوح ٤ : ٢٤ ـ ٢٥.
(٣) ابن أبي حاتم ٢ : ٥٠٤ / ٢٦٦٩ و ٢٦٧٠ و ٢٦٧١.
(٤) الثعلبي ٢ : ٢٥١.
(٥) تفسير مقاتل ١ : ٢١٦ ـ ٢١٨.