طعاما إلى أن يقوم. قال : فأخذت وسادة فأدخلتها مكانها ، وانسلّت قليلا قليلا لئلّا توقظه. قال : فجاءت إلى إحدى الغرارتين (١) ففتقتها ، فإذا حوّارى (٢) من النقيّ لم يروا مثله عند أحد قطّ ، فأخذت منه فطحنته (٣) وعجنته. فلمّا أتت توقظ إبراهيم جاءته حتّى وضعته بين يديه ، فقال : أيّ شيء هذا يا سارة؟ قالت : من جوالقك ، لقد جئت وما عندنا قليل ولا كثير. قال : فذهب ينظر إلى الجوالق الآخر فإذا هو مثله ، فعرف من أين ذاك (٤).
[٢ / ٧٥٣٩] وأخرج عبد الرزّاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ـ أيضا ـ عن زيد بن أسلم ، أنّ أوّل جبّار كان في الأرض نمرود ، وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام ، فخرج إبراهيم عليهالسلام يمتار مع من يمتار. فإذا مرّ به ناس قال : من ربّكم؟ قالوا له : أنت. حتّى مرّ به إبراهيم فقال : من ربّك؟ قال : الّذي يحيي ويميت. قال : أنا أحيي وأميت! قال إبراهيم : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) فردّه بغير طعام ، فرجع إبراهيم إلى أهله ، فمرّ على كثيب من رمل أعفر ، فقال : ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم! فأخذ منه فأتى أهله ، فوضع متاعه ثمّ نام ، فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هو بأجود طعام رآه أحد ، فصنعت له منه فقرّبته إليه ، وكان عهده بأهله أنّه ليس عندهم طعام ، فقال : من أين هذا؟! قالت : من الطعام الّذي جئت به. فعرف أن الله رزقه ، فحمد الله.
ثمّ بعث الله إلى الجبّار ملكا أن آمن بي وأنا أتركك على ملكك! فقال نمرود : فهل ربّ غيري؟ فأبى! فجاءه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه ، ثمّ أتاه الثالثة فأبى عليه ، فقال له الملك : فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيّام ، فجمع الجبّار جموعه ، فأمر الله الملك ففتح عليه بابا من البعوض ، فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم وشحومهم وشربت دماءهم ، فلم يبق إلّا العظام ، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء ، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره ، فمكث أربعمائة سنة! يضرب رأسه بالمطارق ، وأرحم الناس به من جمع يديه ثمّ ضرب بهما رأسه! وكان
__________________
(١) الغرارة : الجوالق.
(٢) الحوّارى : الدقيق الأبيض.
(٣) لعلّ واضع الخبر لم يدر أن الحوّارى هو الدقيق ، ولا حاجة إلى الطحن!؟
(٤) الطبري ٣ : ٣٧ ـ ٣٨ / ٤٥٨٥ ؛ العظمة ٤ : ١٥٠٩ ـ ١٥١١ / ٩٨٥ ـ ١ ، باب ٣٩.