يبغي الفساد ولا فتنة العباد.
ويقول : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ). فليس المشرك بما هو مشرك ممّا يستوجب إباحة دمه ، وإنّما هو التخلّف عن مواضع العهد والتحرّش للآمنين. ولذلك يقول تعالى : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) أي بعد نقضهم ذلك الفظيع.
نعم (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
(كَيْفَ) يكون للمشركين عهد (وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ. اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)(١).
إذن فهم فريق من المشركين ممّن نبذوا العهود ونقضوا المواثيق ، ومن ثمّ لا تنفعهم بعد ذلك معاهدة أخرى سوى الدخول في حظيرة الإسلام والاستسلام لقيادته الحكيمة.
[٢ / ٧٤٩٣] رووا عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : «كانوا ـ أي المسلمون على عهد الرسول ـ لا يقتلون تجّار المشركين. وقالوا : إنّما نقتل من قاتل ، وهؤلاء لا يقاتلون» (٢).
هذا ونرى ابن حزم يصرّح بجواز قتل عامّة المشركين ممّن قاتل أو لم يقاتل ، تاجرا أو أجيرا وحتّى الشيخ الكبير ، كان ذا رأي أو لم يكن. والفلّاح والأسقف والقسّيس والراهب ، وكذا الأعمى والمقعد ، يجوز قتلهم أجمع. قال : وجائز استبقاؤهم أيضا (٣). أي إذا رأى الإمام ذلك وكان فيه مصلحة.
واستند في جواز قتلهم مقتلة عامّة ، إلى الآية الكريمة!! وقد عرفت قصور دلالتها عن ذلك ، وإنّما هو لمن تحرّش ونقض العهد.
قال الشيخ أبو جعفر الطوسيّ : عقد الأمان جائز للمشركين. لقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ). وعقد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الأمان للمشركين عام الحديبيّة (٤).
__________________
(١) التوبة ٩ : ٦ ـ ١٠.
(٢) المحلّى ٧ : ٢٩٧.
(٣) المصدر : ٢٩٦.
(٤) المبسوط ٢ : ١٤.