كأن يكون رسول قبيلة أو رسول أمّة أو رسول جيل أو رسول الأمم كافّة في جميع الأجيال. كذلك يتعلّق بالمزايا الّتي يوهبها لشخصه أو لأمّته. كما يتعلّق بطبيعة الرسالة ومدى شمولها لجوانب الحياة الإنسانيّة والكونيّة.
وقد ذكر النصّ هنا مثالين في موسى وعيسى عليهماالسلام وأشار إشارة عامّة إلى من سواهم :
(مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ).
وحين يذكر تكليم الله لأحد من الرسل ينصرف الذهن إلى نبيّ الله موسى عليهالسلام وقد خصّه الله بهذا الشرف وهو شرف الحضور والمواجهة لدى المولى تعالى ، ومن ثمّ لم يذكره باسمه. وذكر عيسى بن مريم عليهالسلام منسوبا إلى أمّه الصدّيقة عليهاالسلام في أغلب مواضع القرآن. والحكمة في هذا واضحة ؛ فقد نزل القرآن وهناك حشد من الأساطير الشائعة حول المسيح وبنوّته لله ـ سبحانه وتعالى ـ أو عن ازدواج طبيعته من اللّاهوت والناسوت ، أو عن تفرّده بطبيعة إلهيّة ذابت فيها الطبيعة الناسوتيّة كالقطرة في الكأس! إلى آخر تلكم التصوّرات الأسطوريّة الّتي غرقت الكنائس والمجامع في الجدل حولها ، وجرت حولها الدماء أنهارا في الدولة الرومانيّة! ومن ثمّ كان هذا التوكيد الدائم على بشريّة عيسى عليهالسلام وأنّه وليد أنثى.
أمّا روح القدس ، فالقرآن يعني به جبرئيل عليهالسلام (١) فهو حامل الوحي إلى الرسل ، وهذا أعظم تأييد وأكبره ، وهو الّذي ينقل الإشارة الإلهيّة إلى الرسل بانتدابهم لهذا الدور الفذّ العظيم ، وهو الّذي يثبّتهم على المضيّ في الطريق الشاقّ الطويل ، وهو الّذي يتنزّل عليهم بالسكينة والتثبيت والنصر في مواقع الهول والشدّة في ثنايا الطريق.
هذا كلّه التأييد ، أمّا البيّنات الّتي آتاها الله عيسى عليهالسلام فتشمل الإنجيل الّذي نزّله عليه ، كما تشمل الخوارق الّتي أجراها على يديه ، والّتي ورد ذكرها مفصّلة في مواضعها المناسبة من القرآن ، تصديقا لرسالته في مواجهته بني إسرائيل المعاندين!
ولم يذكر النصّ محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّ الخطاب موجّه إليه. كما جاء في الآية السابقة في السياق :
__________________
(١) وبه وردت الروايات عن السلف. راجع : البخاري ٥ : ٢٢٢ ، كتاب التفسير ، سورة النحل ؛ عبد الرزّاق (١ : ٣٦١) عن معمر عن قتادة ؛ القمّي ١ : ٣٩ ، سورة النحل : ١٠٢ ؛ برواية أبي جارود ، تفسير الإمام : ٣٧١ / ٢٦٠ ؛ البحار ٩ : ٣٢٠ ، و ١٧ : ٢٠٦ ؛ التبيان ٢ : ٣٠٤ ، و ٤ : ٥٥ ، عن الحسن.