إلياس وقام شعره ، ثمّ رفضه وخرج من عنده ، ففعل ذلك الملك فعل أصحابه وعبد الأوثان.
ثمّ خلف من بعده فيهم اليسع ، فكان فيهم ما شاء الله أن يكون ، ثمّ قبضه الله إليه وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر ، فيه السكينة وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون ، وكان لا يلقاهم عدوّ فيقدّمون التابوت ويرجعون به معهم إلّا هزم الله ذلك العدوّ ، فلمّا عظمت أحداثهم وتركوا عهد الله إليهم ، نزل بهم عدوّ فخرجوا إليه وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه ، ثمّ زحفوا به فقوتلوا حتّى استلب من أيديهم ، فمرج أمرهم عليهم ووطأهم عدوّهم حتّى أصاب من أبنائهم ونسائهم ، وفيهم نبيّ لهم يقال له شمويل (١) ، وهو الّذي ذكره الله في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ...) فكلّموه وقالوا : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ).
وإنّما كان قوام بني إسرائيل الاجتماع على الملوك وطاعة الملوك أنبياءهم (٢) ، وكان الملك هو يسير بالجموع والنبيّ يقوم له بأمره ويأتيه بالخبر من ربّه ، فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم ، فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم ، فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر الرسل ، ففريقا يكذّبون فلا يقبلون منه شيئا وفريقا يقتلون ، فلم يزل ذلك البلاء بهم حتّى قالوا له : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فقال لهم : إنّه ليس عندكم وفاء ، ولا صدق ، ولا رغبة في الجهاد.
فقالوا : إنّا كنّا نهاب الجهاد ونزهد فيه ، إنّا كنّا ممنوعين في بلادنا لا يطؤها أحد فلا يظهر علينا عدوّ ، فأمّا إذا بلغ ذلك فإنّه لا بدّ من الجهاد ، فنطيع ربّنا في جهاد عدوّنا ونمنع أبناءنا ونساءنا وذرارينا.
فلمّا قالوا له ذلك سأل الله شمويل أن يبعث لهم ملكا. فقال الله له : انظر القرن الّذي فيه الدهن في بيتك ، فإذا دخل عليك رجل فنشّ الدهن الّذي في القرن ـ فهو ملك بني إسرائيل ـ فادهن رأسه منه وملّكه عليهم ، فأقام ينتظر متى ذلك الرجل داخلا عليه ، وكان طالوت رجلا دبّاغا يعمل الأدم ، وكان من سبط بنيامين بن يعقوب ، وكان سبط بنيامين سبطا لم يكن فيهم نبوّة ولا ملك ، فخرج طالوت في ابتغاء دابّة له أضلّته ومعه غلام ، فمرّا ببيت النبيّ عليهالسلام ، فقال غلام طالوت لطالوت : لو
__________________
(١) هو سموئيل.
(٢) لم يكن لهم ملوك إلى ذلك الحين ، كما تقدّم.