هذه الآية تشير إلى قصّة عظيمة من تاريخ بني إسرائيل ، وفيها العبرة والعظة.
القرآن يأتي بذكر الحوادث التاريخيّة لغرض العبرة بها ، ويختار لذلك ما هو من تاريخ أهل الشرائع ، حيث كان أقرب إلى الهدف الّذي جاء لأجله القرآن.
هذه القصّة هي حادث انتقال نظام حكومة بني إسرائيل من الصبغة الشوريّة ، المعبّر عندهم بعصر القضاة ، إلى الصبغة الملكية ، المعبّر عنها بعصر الملوك.
وذلك أنّه لمّا توفّي موسى عليهالسلام في حدود سنة ١٣٨٠ قبل الميلاد ، خلّفه في الأمّة الإسرائيليّة يوشع بن نون ، الّذي عهد له موسى في آخر حياته بأن يخلفه. فلمّا صار أمر بني إسرائيل إلى يوشع جعل لأسباط بني إسرائيل حكّاما يسوسونهم ويقضون بينهم ، وسمّاهم القضاة. فكانوا في مدن متعدّدة ، وكان من أولئك الحكّام أنبياء ، وكان هناك أنبياء غير حكّام. وكان كلّ سبط من بني إسرائيل يسيرون على ما يظهر لهم ، وكان من قضاتهم وأنبيائهم «صموئيل بن ألقانة» من سبط أفرايم ، قاضيا لجميع بني إسرائيل ، وكان محبوبا عندهم. فلمّا شاخ وكبر وقعت حروب بين بني إسرائيل والفلسطينيّين وكانت سجالا بينهم ، ثمّ كان الانتصار للفلسطينيّين ، فأخذوا بعض قرى بني إسرائيل حتّى أنّ تابوت العهد ـ الّذي سيأتي الكلام عليه ـ استلبه الفلسطينيّون وذهبوا به إلى «أشدود» بلادهم وبقي بأيديهم عدّة أشهر.
فلمّا رأت بنو إسرائيل ما حلّ بهم من الهزيمة ، ظنّوا أنّ سبب ذلك هو ضعف صموئيل عن تدبير أمورهم ، وظنّوا أنّ انتظام أمر الفلسطينيّين لم يكن إلّا بسبب النظام الملكي. وكانوا يومئذ يتوقّعون هجوم «ناحاش» ملك العمونيّين عليهم أيضا. فاجتمعت إسرائيل وأرسلوا عرفاءهم من كلّ مدينة ، وطلبوا من صموئيل أن يقيم لهم ملكا يقاتل بهم في سبيل الله. فاستاء صموئيل من ذلك وحذّرهم عواقب حكم الملوك ونصحهم : «إنّ الملك يأخذ بنيكم لخدمته وخدمة خيله ويتّخذ منكم من يركض أمام مراكبه ، ويسخر منكم حرّاثين لحرثه ، وعمله لعدد حربه وأدوات مركبه ، ويجعل بناتكم عطّارات وطبّاخات وخبّازات ، ويصطفي من حقولكم وكرومكم وزياتينكم ، أجودها فيعطيها لخصيانه وعبيده. ويأخذ عبيدكم وجواريكم وشبّانكم الحسان وحميركم ويستعملهم لشغله. ويعشّر غنمكم وأنتم تكونون له عبيدا ، فتصرخون في ذلك اليوم من وجه ملككم الّذي